«ركنت بعض القبائل في الصحراء إلى جوار أماكن العبادة لتؤدي الفروض الدينية¡ وتستشفي من قبل النطاسيين¡ وإسكان الروح لا البدن ركنت لإسكات اللغز وإسكات الوسوسة التي تسكن قلب اللغز»
( أ/أ)

كانت الصفة التي تتطابق ولا تزال مع كينونة الكاتب إبراهم الكوني بمثابة علامة على استمرارية تداولها بين الكاتب ونفسه بأنه مهموم بالصحراء¡ وشغوف بما يمكن أن يدور في مركزها أو حولها¡ وعند المتلقين الذين يؤكدون هذه الصفة بحكم متابعتهم القرائية لما قدمه الكوني من قصص وروايات تتعمق جذورها وتسمو أعاليها في عرض/ طول مساحات الصحراء وتصعد في أجوائها الفسيحة¡ وما تحتوي عليه من العجائب والغرائب إلى الجد في محاكاة وتصوير الواقع ببراعة نادرة تمكن تكوينها بتجاربه ونظراته التي تتكئ على الدراسات التاريخية والأنثروبولوجية مع المساس بأركان الحالات السيكولوجية الدائرة في سلوكيات الأفراد والجماعات الصحراوية في التنقلات والرحيل المستمر في الفلوات ليلاً ونهاراً وملاقاة الجماليات وعكسها عندما تتحسن الأجواء والأحوال بما تجود به الصحراء في مواسم قد تكون نادرة ولكنها بمثل ما تبخل وتعطي يتلقف الصحراوي عطاءاتها مهما كانت وهو راضٍ ومحب لما يلقاه¡ وقد يغضب عندما تهيج أطراف وأواسط صحرائه مما يلجئه إلى محاولة الصراع معها الذي فرضته عليه¡ فما يكون منه إلا أن يستجيب للمنازلة غير ضامن للانتصار الفعلي بقدر ما يكون انتصاراً معنوياً¡ فهو في جذب وإرخاء¡ وبسط وقبض في تعامله مع حياته في مداءاته الصحراوية المليئة بالأسرار والألغاز مما كيَّفه ومنحه قدرة المخاطبة والحوار مع محيطه بكل صفاء ونقاوة.
وأما في الموضوع السابق¡ عندما جاست الصغيرة أبعاد الصحراء التي تمكنت منها شاهدت الرجال الأشداء وهم في شبه مداهمة أو معركة صغيرة فإذا بهم يطاردون الأيل الذي يراهم ولا يرونه¡ وقد يرونه وما أن يستعدوا لمطاردته والإمساك به إلا ويكون قد فعل ما لم يكن متوقعاً للمطاردين¡ أما خفاء أو تجلياً¡ أو ضبابية رؤية بصيرة لا بصرية¡ فالطفلة تشاهد من مكانها المناورة بين الصيادين والصيد المؤمل الذي وصفه الكاتب بالداهية (= الأيل) في روايته –ملكوت طفلة ..- : «أما الداهية الذي لم يفاخر بالدهاء يوماً ولا بما يخفيه من أحاج في الجمجمة فها هو يقود البلهاء من أنوفهم حول القمة الجبلية مولياً بظهره إلى الوراء لئلا يفقد بأنفه رائحتهم أولاً¡ وكي يستطيع أن يضللهم ثانياً بوجهة أثر حافريه التي تبدو ميممة بالاتجاه نفسه¡ لا مدبرة كما هي في واقع الحال» كانت الملاحقة فاشلة¡ ولكن المحاولات تتكرر بعد استشارات وتشاور بين البشر وخاصة ممن يدَّعون تحضير الأرواح والجن وعمل السحر وتتعدد الحيل التي كان فيها التعاون والتكالب ضد الطريد الوحيد¡ ويكون مصيره: «لا أدري كم من الوقت استغرقت هذه الرحلة ولكن ما أدريه هو أنني أبصرت الودَّانْ الرهيب بقرنيه المعقوفتين كهلالين موسومين بطائفة من الرموز السحرية¡ كان الأيل مطوقاً بلسان الأزمان (وانت هيط) يحاول أن يفلت ولكن ..».
الكوني رسام بارع بإجادة تامة للصحراء وما تحتوي عليه من الأسرار والظواهر وهو بهذا يرسم حبه للصحراء وشغفه بآفاقها المتواليات أفقاً وراء أفق.




http://www.alriyadh.com/1790511]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]