ممّا لا شكّ فيه أن القارئ البسيط لا يحب أدب كافكا¡ فلكل كاتب أو شاعر قُرّاء وفق سقف نصه¡ لكنّ قصّته مع الطفلة التي أضاعت دميتها أحبها عدد واسع من جمهور "السوشل ميديا" تناقلوا القصة آلاف المرات¡ معبرين عن إعجابهم بإنسانية الكاتب¡ دون معرفةٍ ولو سطحية بنتاجه.
ولمن لا يعرف قصّة "دمية كافكا"¡ فملخّصها أنه التقى طفلة تبكي في حديقة ستيغلتز بارك ببرلين¡ بعد أن أضاعت دميتها¡ فأخبرها أن الدمية سافرت في رحلة لترى العالم¡ وأنها تركت لها رسالة ليسلمها لها لكنه نسيها في البيت¡ وقد عكف على كتابة رسالة تلك الليلة¡ وسلمها لها في اليوم التالي¡ لتتوالى الرسائل التي كتبها باهتمام بالغ ليقنع الطفلة أن دميتها سعيدة وهي تجوب العالم في رحلة مليئة بالمغامرات الجميلة¡ وهكذا أنقذها من حزنها إلى الأبد¡ وهكذا كتب آخر نصوصه.
قدّم "المثقف ذو السقف العالي" فرانس كافكا على أنه رائد الكتابة الكابوسية¡ بسوداويته الفريدة حتى في كتابة رسائل الحب¡ ولنفرض أنه من أهم الكتاب الألمان -حتى وإن كان تشيكياً- إلا أن جانباً مهماً من شخصيته جعله يبقى حبيس طبقات معينة من جمهور القراءة¡ الجانب الذي لم يهتم به أغلب صنّاع الثقافة هو الجانب المضيء في شخصيته¡ الشفاف¡ العاطفي¡ المرهف¡ الرقيق¡ المحب¡ والذي يكشف عن دوافع الكتابة لديه. ففي النهاية كافكا مثل غيره كاتب من لحم ودم¡ وقد عاش متفاعلاً مع مجتمعه بكل جوارحه¡ وما جعله يذهب للكتابة ليس سوداويته¡ بل رهافة حسه وعمق إنسانيته.
في زمن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي يخرج إلينا كافكا مكتمل الوجه¡ وقد أنصفه أمثاله بما يستحق (يمكن قراءة مقال للكاتب محمد علوان جبر عن كافكا بعنوان ضد النسيان¡ دمية كافكا) فنتدارك ما سقط سهواً من اهتمامات نقادنا الكبار في حقبة مضت¡ مهملين ما يهم القراء فعلاً في كتابهم.
والحقيقة أن كافكا واحد من الكتاب المظلومين¡ فنحن في الغالب نكتفي بقراءة النص وما يليه من نقد¡ وقراءات فيما أغلبها يقودنا في طريق تبعدنا عن الكاتب. أراهن أن أغلب النقد والقراءات الأدبية هراء وهرطقة أساءت للكُتّاب أكثر مما أنصفتهم¡ خاصة ما وصلنا بعد مئة عام وأكثر. وقد سبق وأن كتبت عن والت ديزني وفكرته البسيطة لإسعاد بناته¡ والتي تحوّلت إلى أكبر صرح سياحي لأطفال العالم¡ محققاً مداخيل خيالية لأميركا والدول التي تبنت فكرة المشروع بعدها. فقد قلت إن فكرة تلك المدينة العجيبة التي سحرت أطفال العالم¡ ابتكرها أب لم يفكّر سوى في قضاء أوقات جميلة مع أسرته في مكان واحد¿ وهنا تكمن عظمة الإبداع¡ تماماً مثلما فعل كافكا.




http://www.alriyadh.com/1790520]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]