بعد تخرجي من الجامعة توظفت وعملت في طوكيو¡ وكان يشاركني في المكتب المستشار الياباني السيد كاتاياما هيروشي. ومع الفرق السني بيننا والذي كان يتجاوز الأربعين عاماً¡ فقد كانت تلك السنوات بمثابة الكنز¡ حيث تعلمت فيها الكثير من الدروس¡ ومنها:
لا تنفعل: من الطبيعي في سن الشباب أن يكون المرء مندفعاً ومتحمساً وأكثر عرضة للاستفزاز من الزملاء والمديرين أحياناً. كانت نصيحة السيد كاتاياما الذهبية لي دوماً: "إياك أن تنفعل! اضبط أعصابك وتحكم بمشاعر الغضب". كانت فلسفته هي أن المرء بمجرد أن يغضب وينفعل يفقد اتزانه ويصبح ارتكابه للأخطاء أمراً محتماً.
ركز على عملك: قدر المدير في أي قطاع - خاصاً كان أو حكومياً - أن لا يكون محبوباً دوماً¡ وأن يكون عرضة للنقد. ويصادف أن يكون هنالك موظفون متمردون وفي بعض الأحيان ثوريون يحاولون تأليب بقية الموظفين على الإدارة لتصفية حسابات شخصية. كانت نصيحة السيد كاتاياما لي دوماً بتجنب الدخول في هذه المهاترات والتركيز على العمل والإنجاز¡ لأن هذه الأوقات والجهود الضائعة في شحن الطاقة السلبية مضرة للفرد وبيئة العمل¡ وما يبقى هو الأثر الإيجابي الذي تتركه في عملك.
الزبون أولاً: كان السيد كاتاياما مكان احترام من الإدارات المختلفة التي تعاقبت على المؤسسة¡ وكان من مزاياه المرونة وتقبل الآراء المختلفة. ولكن الشيء الوحيد الذي كان يرفضه أي أمر يمس بجودة المنتجات والخدمات المقدمة للزبائن. فلم يكن يتردد في طرح رأيه وتحفظه بكل أدب ومنطقية أمام الإدارة التي كانت عادة ما تأخذ بآرائه ومقترحاته رغم أنه مستشار وليس رئيس قسم أو مديراً تنفيذياً.
روعة البداية من الصفر: قضى السيد كاتاياما ثلاثين سنة من عمره يتنقل بين البلدان العربية¡ حيث كانت الشركة اليابانية تكلفه بالبدء في تلك المشروعات الهندسية العملاقة من الصفر. وفي كل مرة يواجه التحديات والمصاعب المختلفة حسب اختلاف القوانين بين البلدان لإنشاء المكاتب وتوظيف العمال وإدارة المشروعات. ومع ذلك فقد كان يجد متعة كبيرة في بدء تلك المشروعات ورؤية الأفكار والأحلام تتحقق على أرض الواقع..
الشهادة ليست كل شيء: لم يتخرج السيد كاتاياما من الجامعة. كانت الشهادة الأكاديمية التي يحملها هي الثانوية¡ ولكنه كان يحمل خبرات ومهارات تعدل عشرات الشهادات الأكاديمية في قيمتها من حيث التطبيق على أرض الواقع والمساهمة الفعالة في الاقتصاد والمجتمع. تعلمت أهمية التواضع للتعلم من خبرات الآخرين¡ وأن الشهادة هي مجرد بداية لمسيرة التعليم الذاتي والتطوير المستمر.
ولا شك أن كل إنسان منا يمر بمرحلة يحتاج فيها التوجيه ممن هم أكثر خبرة منه. ولعلي أسميها مجازاً "زكاة الخبرات" بأن يشارك المرء ما لديه مع الأجيال الصاعدة ويسعى لتمكينهم وصقلهم بالتجارب والتحديات مع تجنيبهم الوقوع في الأخطاء القاتلة..
وختاماً¡ ما الذي تعلمه الآخرون منك وما الأثر الإيجابي الذي تركته في حياتهم¿




http://www.alriyadh.com/1791719]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]