في الحجاز¡ يسمون النمل "الضر"¡ وهي تسمية من الممكن أن تعود إلى الضراوة أو القوة أو الإقدام¡ ومن الممكن أن ترد إلى قدرة النمل على إحداث الضرر بالناس والقوت¡ وقد شهدنا وقرأنا مواقع وأحداثًا كثيرة مشهورة¡ كان النمل طرفًا فيها¡ ومن أبرز ما مر علينا قبل سنوات اعتماد دولة أوروبية طريقة النمل في إدارة الحشود¡ في تطوير أسلوب إدارة الحركة المرورية!
إن النمل¡ كما يقول أحد الباحثين: "لا يحتاج إلينا¡ خلافًا للبراغيث¡ ولا نحتاج إليه¡ خلافًا للنحل!" وقول الفيلسوف الروماني "بليني": إن "النمل هي المخلوقات الوحيدة¡ إلى جانب البشر¡ التي تدفن موتاها بطقوس جنائزية¡ في حين تؤكد التشبيهات الأسطورية المعاصرة بثقة مماثلة أن النمل لو بلغ حجم الخراف لحكم الأرض وما عليها¡ وأن النمل سينجو¡ خلافًا للبشر¡ من أي محرقة نووية".
وإلى ذلك¡ فإن النمل رغم حجمه لديه همة لا تفتر¡ يوجهها ليس لجلب قوته اليومي فقط¡ لكن¡ أيضًا لتأمين القوت الذي يحتاجه في لحظة احتياجه¡ التي قد تمتد عدة شهور¡ وهي خصيصة قلما توجد لدى البشر والحيوانات الأخرى. هذا الحرص جعل النمل مضربًا للأمثال لدى البشر المعروفين بحب البناء المالي والاجتماعي والعلمي¡ يقول مثل يُنسب إلى "الحضارمة" الذين عرف عنهم الجد والاجتهاد في الأمور الاقتصادية "قع نملة تأكل سكر!"¡ والمعنى إذا أردت النجاح فعليك أن تقتدي بالنملة المعروفة بالجد والاجتهاد والحرص على الوقت والجماعة والتكاتف.. فالإنسان الناجح نجح لأن خلفه من يساعد ويوجه ويتابع¡ فالنمل لديه ما يشبه قرون الاستشعار التي توصل إليه المعلومة عن أي مكان فيه قوتº ولإعطاء النملة هيبة ومكانة¡ وكأن ذلك مقارنة بالبشر¡ فقد قيل "إن أعشاش النمل تماثل الأهرامات¡ أو سور الصين العظيم¡ وحركتها بالقطار السريع¡ بلغت وفقًا للتقديرات الحديثة عشرة آلاف تريليون¡ ووزنها معًا يساوي وزن سكان الأرض من البشر!"º أما أسرة النمل فإنها تنقسم إلى "قرابة ثلاث مئة جنس¡ بعضها يحمل أسماء وصفية (شائعة)¡ مثل نمل السكر¡ أو نمل البولدوغ¡ أو نمل اللحم¡ وعند كتابة هذه الصفحات على حد كلام¡ شارلوت سلي مؤلف (النمل التاريخ الطبيعي والثقافي)¡ بلغ آخر عدد لأنواع النمل (11006 أنواع!)..
وفي أيام الوحدة الصحراوية التي عشتها سنوات في قرى وهجر نجد¡ كنت مولعًا بملاعبة النمل¡ ربما ليؤنس وحدتي في ظل غياب الكهرباء والتلفزيون والمقاهي والأصدقاء¡ كنت أفرد الجريدة وأضع عليها شريطًا من السكر الناعمº لأرى من أين يأتي النمل السكري إلى منزل جدرانه من الطين وسقفه من الجريد وبابه من خشب الطرفاء¡ ولم يكد يمضي الوقت حتى هَلَّ النمل من خروم الجدران¡ نمل أصفر وأحمر وأسود¡ طوابير طويلة¡ تشتغل ساعات لالتقاط غرامات السكر¡ أراقب وأقرع نفسي الملولة من مكوث أيام في الصحراءº في الوقت الذي تعمر جيوش النمل الجدران. جيوش تعمل بجد ومثابرة وتبني المستودعات ليكون مخزونها الاستراتيجي بخير طوال الوقت.. النمل أمة من الصابرين¡ تعطي العبر والدروس لمن يحتاجونها.




http://www.alriyadh.com/1791722]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]