«نشكركم على دعم صحافتنا في 2020» هكذا عنونت صحيفة الجارديان إعلاناً مميزاً على صفحات موقعها الإلكتروني موجهة للجمهور الأميركي من زوار الموقع¡ الذين ساهموا في دعم المادة المقروءة والتحليلات الإخبارية التي تقدمها الشبكة عبر التبرع المباشر لإحياء صحافة ما خلف الخبر¡ مانحين الجارديان الإنجليزية العريقة رأس مال إضافياً ودفعة مادية قوامها 1.3 مليون دولار أميركي¡ ما يمثل نموذجاً استثمارياً حديثاً نسبيًا تلجأ إليه الصحف والشبكات الإعلامية حول العالم فتطرق باب القارئ من دون غيره¡ عارضة خدماتها الإعلامية والإخبارية في مقابل دعم مادي أو اشتراكات سنوية زهيدة نسبيًا¡ إلا أنها في المشهد الإجمالي تمنح المؤسسة الإعلامية خير استقلال عن سلطة رأس المال¡ وهياكل الإعلان التجاري المجحفة¡ الجارديان على سبيل المثال¡ بدأت نظام اشتراكاتها الحالي عام 2014¡ ولم تكن علاقة الصحيفة بجمهورها تفتقد الثقة والتقدير¡ إلا أن المؤسسة أفصحت عن مُسببات حاجتها للدعم من القراء¡ ولاقت استجابة حينما فتحت في عام 2016 باب المُساهمات المادية من الجمهور.
صحيفة الجارديان قطعاً لم تستحدث نموذجها الاستثنائي في الدفع مقابل الأخبار من فراغ¡ ففي حين يضيّق فيسبوك وجوجل الخناق على المواقع التي تتكسّب من المحتوى الإعلاني المصاحب لمادتها¡ أصبحت الحاجة مُلحة لنماذج أعمال مُختلفة¡ ومن هذه الحاجة انبثقت ثلاثة نماذج أساسية للدفع مُقابل الصحافة الجيدة¡ أول هذه النماذج نموذج الاشتراكات البسيط¡ والذي يكاد يماثل فكرة اشتراكات الصحف التقليدية¡ بخلاف أن القارئ بدفعه الاشتراك بوسعه الوصول لمحتوى صحفي غير محدود بالموقع الإخباري لمدة بعينها¡ والنموذج الثاني¡ هو نموذج هجين¡ يقدم بعض المواد المدفوعة¡ مقابل مواد أخرى مجانية.. أما النموذج الآخر¡ فهو النموذج الذي تتبعه نيويورك تايمز¡ والذي يتيح للقارئ عدد مقالات مجانية محددة شهريًا¡ بعدها يلزم الدفع مقابل المحتوى. وبالرغم أن فكرة الدفع مقابل الحصول على المواد الصحفية غريبة ومستهجنة عالميًا¡ إلا أنها تلقى هذه الأيام رواجاً وميلاً كبيرًا من بيوت صحفية رائدة¡ فضلاً عن مبادرات صحفية متخصصة وناشئة¡ تُخاطب قراءها وتطلب منهم الدعم إذا ما كانوا راغبين في المزيد من الصحافة المهنية التي يصنعونها.
رغم الاتجاه العالمي¡ للأسف لايزال مفهوم الدفع مقابل المادة الصحفية يشكّل عيبًا على المستوى العربي رغم المحاولات الخجولة لبعض المواقع الإعلامية المتخصصة¡ فالأجيال المتعاقبة من صُناع الصحافة العرب اعتادوا على نموذج الدفع التقليدي للصحف¡ والتمويل بطريق المادة الإعلانية الذي لم يعد يجدي نفعًا هذه الأيام¡ ونظرًا لهذا التمسك¡ يؤسفنا أن نرى مؤسسات صحفية عريقة تغلق أبوابها وتودّع قراءها من دون أن تطرح فكرة الدفع مقابل المادة الصحفية¡ أعتقد أن ما ينقصنا في صحافتنا العربية والقائمين عليها هو مزيد من الانفتاح على نماذج أعمال جديدة ومختلفة تضمن استمراريتها¡ من باب أن الدفع مقابل الصحافة الجيدة ليس عيبًا¡ ففي حين تكلف الصحافة الجيدة القائمين عليها أثماناً باهظة¡ يبقى الرهان على جودة المحتوى المُقدم من قبل المؤسسات¡ واحتياج القارئ إليه بشكل حقيقي¡ ضمانة لنجاح مثل هذه النماذج¡ وقدرتها على تمويل أشكال صحفية جديدة¡ يحتاجها القارئ¡ ومستعد للدفع نظيرها.




http://www.alriyadh.com/1799244]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]