كثير من آراء العالم «فلان» تخالف ما تعارفنا عليه واعتبرنا تلك المخالفات منه¡ زلة عالم وخطأ لا يجوز أن نتلبس به أو نسير عليه¡ إلى هنا لا إشكال¡ وإنما الإشكال هو بإظهار تلك الشخصية أنها تلبس نفس الفقه والآراء التي تلبسنا بها وهي في الحقيقة تخالفنا شكلًا ومضمونًا..
لا تكاد تجد مبدعاً ولا عالماً ولا مخترعاً... ولا... ولا...إلا ووجدت حاله ومقاله يعده في صف من برز واشتهر في جنس إبداعه¡ وإن كان تميز بإحداث الفكرة أو الاختراع إلا أنه مقيد ببعض جزئيات فكرته بمن سبقه¡ فكم في الفيزياء مثلاًº ذكر "آنشتاين" وتلبس بنظرياته الكثير والكثير من المبدعين والمخترعين¡ وكم ذكر في الطب "ابن سيناء" كمثال آخر ونحا على طريقته أطباء وحكماء لا يحصون¡ فتلبُس أفكار الأولين هو ما يعرف بتكامل وبناء الفكرة وتطورها¡ وعلى ذلك ازدهر العالم¡ وواكبت الأفكار والمخترعات حاجة العالم باعتبار الانفجار السكاني المخيف¡ وحيث إن جل الأفكار والاختراعات بنيت على أسس وقواعد يؤدي تغييرها وتبديلها إلى خلخلتها¡ فلا يستطيع المتلبس بها إلا أن يخدمها ويطورها¡ فإن أحدث ما يصرفها عن مضمونها فلا يستطيع نسبة تصرفه إلى منشئها¡ فإن ذلك مما لا يلتبس على متبني هذه الفكرة¡ فيردون كل حرف لصاحبه بغير تجشم وعناء¡ ويبقى توارث الفكرة بمراحله المتطورة منسوبًا لأهله¡ كل جزئية لمن أبدعها¡ كل ذلك من لِبس الفكرة.
وقد نجد في نتوءات الادعاءات من يخترع أو ينشئ فكرة وينسبها إلى أحد المشهورين المبدعين الأولين وسرعان ما ينكشف زيف الادعاء حين النظر والمقارنة¡ غير أننا نجد إلباس فكرة جديدة أو ما نسميه في فقهناº الرأي أو المذهب لأئمة وفقهاء لا يمتون لهذا الرأي بسبب هو الرائج بين فقهاء العصر إلا القلة المغلوبة على أمرها¡ فنجد من يتبنى رأيًا فقهياً ويجمع مذهبًا انتقائيًا بحسب "نفسيته" ثم يزعم أن هذا هو منهج الإمام فلان من العلماء¡ بينما تجد ذلك العالم محسوبًا على عدة مذاهب وطوائف¡ وما ذاك إلا لأن كل جماعة صوروه وأظهروه بالصورة التي رسموها في أذهانهم موافقة لفقههم وآرائهم¡ فمثلًا كثير من آراء العالم "فلان" تخالف ما تعارفنا عليه واعتبرنا تلك المخالفات منه¡ زلة عالم وخطأ لا يجوز أن نتلبس به أو نسير عليه¡ إلى هنا لا إشكال¡ وإنما الإشكال هو بإظهار تلك الشخصية أنها تلبس نفس الفقه والآراء التي تلبسنا بها وهي في الحقيقة تخالفنا شكلًا ومضمونًا¡ كما أجرينا هذا على ابن حزم رحمه الله - كمثال - واعتبرنا آراءه في المعازف وفي كشف وجه المرأة وغيرها زلات وأخطاء¡ وألبسناه الصورة التي رسمناها عنه بنفسيتنا¡ ولو تصورناه بين أظهرنا وهو يقول "المعازف مباحة" والمرأة لا بأس أن تكشف وجهها¡ وغيرها من الآراء التي كان عليها¡ فإننا لا نجد هذه الصورة التي نحن عليها في فقهه وأقواله¡ لقدرة ابن حزم رحمه الله على قلب الطاولة على مخالفيه¡ أو أن ابن حزم سيكون محشورًا ومحصورًا في زاوية قد اتهم بالميوعة والانسلاخ¡ وأُبعد بكم هائل من التحذير والتبديع والتفسيق¡ ولن تجد من يقول ابن حزم منا ونحن منه.
لا أعني بهذا أن ندع الخلاف الفقهي وهو ميزة حسنة تميز بها ديننا الإسلامي¡ ولكني أعني أن لا ننسب ما نحن عليه من "المذهب الانتقائي" والذي نحا فيه الكثير منا منحى التشدد والتّزمت ثم نأتي إلى علماء وأئمة المسلمين فنصف تلك الآراء والفقهيات التي لا نرغب بتلبسها بأنها "زلات وأخطاء" ثم نقول هذا هو العالم "فلان" كما نريد نحن لا كما كان عليه هو بفقهه وأسلوبه.
إن كثيرًا من الأئمة قد تصورهم جمهور العامة كما نحن صورناهم بآرائنا وربما كان أكثرنا "شخصيات عبوسة " أثر فيها انعكاس تمادي الناس في المباحات والملهيات فذهب إلى النقيض من طمس وتحريف معنوي لما قد يتذرع به العامة للتمادي في ما هم عليه¡ ووقع في خطأ هو أكبر من خطأ العامة حيث ألبس ذاك الإمام وذاك الفقيه الحالة التي هو متلبس بها¡ وأوهمهم أن ذاك الرأي للإمام وليس رأيه هو واختياره. هذا¡ والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1799420]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]