اغتيال قاسم سليماني أثبت أن النظام الإيراني يسعى بكل وسيلة لتدمير وتفتيت الوطن العربي من خلال طلبه من ميليشياته المسلحة مواجهة الولايات المتحدة والتصعيد تجاه إسرائيل بدعوى الثأر لمقتل سليماني..
مع اغتيال قائد ميليشيا "فيلق القدس" الإيرانية قاسم سليماني في 3 يناير 2020م اتضح للمراقبين مدى تواضع قدرات النظام الإيراني¡ وظهر للمتابعين مدى تواضع إمكاناته وأدواته الداخلية. هذا التواضع في القدرات والإمكانات أدلته واضحة وشواهده بينة¡ كشفه نجاح الولايات المتحدة باستهدافها شخصية محورية في صناعة القرار السياسي الإيراني¡ وباغتيالها لقائد كبير في المنظومة الأمنية والعسكرية الإيرانيةº لأنه لو كان الأمر غير ذلك¡ لما تم استهدافه بهذه الطريقة التقليدية¡ وبذلك الأسلوب المتوقع لدى أضعف الأجهزة الأمنية¡ خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه كشخصية محورية وقيادية كانت محل استهداف مُعلن من قبل الولايات المتحدة التي صنفته كشخصية إرهابية تعمل على زعزعة الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي.
وإذا كان هذا القول يتناقض تماماً مع الحملات الإعلامية والتسويقية الكبيرة التي تمارسها مكاتب الدعاية ووسائل الإعلام الإيرانية¡ وتلك المحسوبة على إيران في الوطن العربي¡ من أن إيران تتمتع بقدرات وإمكانات كبيرة جداً تمكنها من استفزاز القدرات العسكرية الأميركية¡ أو على أقل تقدير تستطيع الاحتكاك المباشر بهاº إلا أن الواقع الذي تلا عملية اغتيال سليماني يُثبت عكس ذلك تماماً. إنه الواقع الصعب الذي لا يريد أن يراه كل من يدعم النظام الإيراني¡ وإنه الواقع العسير الذي لا يريد أن يصدقه كل من يتعاطف مع النظام الإيراني من أولئك الذين غُرر بهم¡ وإنه الواقع الذليل الذي لا يريد التفكير فيه مرتزقة النظام الإيراني في الوطن العربي.
هذا الواقع الصعب والعسير والذليل ظهر مباشرة بعد عملية الاغتيال لقاسم سليماني عندما لم يتمكن النظام الإيراني من حماية كبار رجاله وقياداته¡ وعندما لم يستطع أن يرد على عملية الاغتيال بعملية اغتيال متماثلة تتوافق تماماً مع تهديداته المتواصلة وخطاباته الإعلامية المتكررة التي تدَّعي البطولة وتسوق لها. وبدلاً من إظهار مبدأ القوة والعزة الذي يدعيه النظام الإيراني وتسوق لذلك مرتزقته في الوطن العربي¡ ظهر النظام الإيراني بمظهر الضعف والوهن والذلة عندما قدم للرأي العام الإيراني والعربي والعالمي سيدة إيرانية هي ابنت قاسم سليماني متحدثة باسم أهلها¡ ومطالبة بالثأر لأبيهاº ولكن هذه المطالبة لم تكن موجهة للنظام الإيراني¡ وإنما موجهة لمُرتزقة إيران في الوطن العربي. إنه الضعف والوهن والذلة التي جعلت زينب بنت قاسم سليماني تظهر عدة مرات تطلب من مرتزقة أن يثأروا لأبيها¡ وهم من كانوا ينتظرون الدعم والتمويل والنُصرة من النظام الإيراني¡ وليسوا هم من يقوم بحماية النظام والثأر لقادته. فمما جاء في أحاديثها المتعددة¡ ما نقله موقع BBC في 7 يناير 2020م¡ قولها: "اليوم يرفع سليمانيو المقاومة رسالتهم. عمي العزيز السيد حسن نصر الله رفع رسالته. إسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس)¡ وزياد نخالة (الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية)¡ و(الرئيس السوري) بشار الأسدº وأبو حسن (هادي) العامري (القائد البارز في كتائب الحشد الشعبي العراقية)º و(زعيم الحوثيين في اليمن) عبدالملك الحوثي. كل واحد من هؤلاء مثل والدي¡ قادر وحده على تدميرك (الرئيس الأميركي ترمب). كلهم سيرفعون رسائلهم". وفي مقابلة مع قناة المنار¡ قالت: "أسلم على سيد المقاومة¡ عمنا الذي أعلم أنه سيثأر لوالدي. كل جماعات المقاومة يجب أن تثأر للحاج قاسم".. وفي حديث آخر لها باللغة العربية بثته وسائل الإعلام التابعة لإيران¡ في 10 يناير 2020م¡ قالت ابنت قاسم سليماني: "أشكر باسمي واسم عائلتي كل الجند والقيادات في محور المقاومة الذين لم ولن يغمضوا أعينهم قبل أن يأخذوا بالانتقام الكامل لدم والدي".
وإذا كان موقف ابنت قاسم سليماني يؤشر ليقينها التام بأن النظام الإيراني غير قادر على الأخذ بثأر أبيها¡ فإن موقف قائد القوات الجوية بالحرس الثوري الإيراني علي حاجي زاده يعبر تعبيراً مباشراً عن مدى الضعف والوهن اللذين يعيشهما النظام الإيراني¡ وذلك عندما قال¡ بحسب موقع RT في 14 يناير 2020م: "إن العمليات ضد الولايات المتحدة ستستمر بشكل متتابع في دول محور المقاومة". وإذا كان هذا القول مُهماً¡ فإن الأكثر أهمية هو وجود أعلام الميليشيات المسلحة التابعة للنظام الإيراني على المنصة الرسمية التي تحدث منها¡ وهي أعلام: حزب الله في لبنان¡ وجماعة الحوثي في اليمن¡ وحركة حماس في غزة¡ والحشد الشعبي في العراق¡ وميليشيا "فاطميون" وميليشيا "زينبيون" في سورية. إنه تعبير مباشر وصورة حقيقية عن الواقع الذي يعيشه النظام الإيراني من انكشاف حقيقي لقدراته وإمكاناته المتواضعة التي تتناقض تماماً مع ما كان يتم تسويقه عنه.
وبالإضافة لهذا الموقف الرسمي لقائد كبير من قادة الحرس الثوري¡ فإن من يستمع لحديث مرشد الثورة الإيرانية خامنئي يدرك تماماً أن النظام الإيراني يعيش أسوأ لحظاته مُنذ أن أسسه الخُمينيº فبدلاً من أن يستخدم اللغة الفارسية في خطبة صلاة الجمعة التي نقلتها وسائل الإعلام الإيرانية في 17 يناير 2020م¡ تحدث خامنئي باللغة العربية¡ ووجه حديثه بشكل مباشر للعرب قائلاً: "أود في هذه البرهة الحساسة من تاريخ هذه المنطقة أن يكون لي معكم أيها الإخوة العرب مختصرٌ من الحديث"¡ وبعد أن تحدث عن اغتيال سليماني ومجد أفعاله واتهم الولايات المتحدة ورئيسها بالإرهاب¡ قال: "قدرتنا وقدرتكم تستطيع أن تتغلب على ما تحيط القوى المادية نفسها من هيبة ظاهرية خادعة..."¡ وأضاف بعد أن ذكر المناطق العربية التي توجد فيها ميليشيات إيران المسلحة ومنها العراق وسورية ولبنان واليمن وغزة¡ قائلاً: "إعلام العدو يتهم إيران بإثارة حروب بالنيابة¡ وهذه فرية كبرى. فشعوب المنطقة قد استيقظت." إنه الذل الذي وصل له النظام الإيراني وقادته عندما يستجدون مرتزقة للدفاع عن نظامهم المعزول داخلياً ودولياً.
وفي الختام من الأهمية القول: إن اغتيال قاسم سليماني أثبت أن النظام الإيراني يسعى بكل وسيلة لتدمير وتفتيت الوطن العربي من خلال طلبه من ميليشياته المسلحة مواجهة الولايات المتحدة والتصعيد تجاه إسرائيل بدعوى الثأر لمقتل سليمانيº وهذه السياسة التدميرية تبعها تشويه مقصود لصورة المواطن العربي أمام المجتمع الدولي عندما تتحدث ابنت سليماني ويتحدث خامنئي باللغة العربية مطالبين بمواجهة القوى الغربية والثأر من الولايات المتحدة. إنها التوجهات السياسية الحقيقية التي يجب قراءتها بعناية¡ والعمل على مواجهتها بكل حكمة وحنكة.




http://www.alriyadh.com/1799996]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]