السعي المشروع في الأسباب التي وُضعت لمعالجة المشكلات¡ فالإسلام دين العمل والسعي الدؤوب¡ ولا ينبغي للمسلم أن يكون ضعيفاً متهافت العزيمة¡ يستسلم لأيِّ مشكلةٍ ألـمَّتْ به¡ بل اللائق به إذا حزبه أمرٌ أن يستعين بالله مع صدق اللجوء إلى الله¡ ثم يُعالجُ مشكلته بالمعتاد من الوسائل¡ وأن لا ينشغل بالتحسُّر والتندُّم ولوم النفس على عدم الاحتراز..
الصعوبات والتحديات من السمات التي لا تنفكُّ الحياة عن شيءٍ منها¡ ولن تخلو مسيرة الحياة من مُنحنيات يواجه فيها المرء ما كُتب عليه من العسر مع تفاوتٍ بين الناس في ذلك على حسب ما قضى الله عليهم بحكمته¡ واليسر التامُّ الـمُستمرُّ الذي لا يُشابُ بشائبةٍ تُنغِّصُهُ إنما يُنالُ في الجنة¡ ومن فضل الله تعالى على عباده في هذه الدنيا أنه يُنزل عليهم بعد العسر يسراً¡ وشَرَعَ لهم تعاطي الأسباب التي تتيسّر بها الأمور¡ فمن الأسباب المعينة على تخطي عقبات العسر إذا اعترضت سبيل المرء ما يلي:
أولاً: الثقة بالله والتوكل عليه والاستيقان بأنه كاشفُ الضّر ومُفرِّج الكربات¡ وهذا من أهم ما يحجز المرء عن تحطُّمِ المعنويات والانهيار النفسي إذا دهمته الأزمة¡ ويُستعانُ على تعويد النفس الثقةَ بالله باستحضار نصوص الوعد بالتيسير كقوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً¡ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ووعد الله كان مأتياً لا خُلْفَ فيه¡ وباستحضار قصص الذين نالهم عسرٌ¡ فيسّر الله عليهم سواءٌ في ذلك الأمم كما حصل لبني إسرائيل إذْ نالهم من عنتِ فرعون وقومه ما هو معلومٌ ثم فرّج الله عنهم¡ والأفراد كما حصل ليوسف عليه السلام حين أُلقي في الجبِّ¡ فأخرجه الله منه وآل أمره إلى أن أُوتي من الملك¡ وكما حصل لأبيه يعقوب عليه السلام لما فقد فلذة كبده¡ وتراكمت آلامه¡ ثم جاء الفرج من الله¡ ففي تذكُّر أحوال هؤلاء وتصوُّر ما لاقوا من العسر وما آلت إليه أحوالهم من اليسر ما يُسلِّي فؤاد المحزون¡ ويُذكِّره بعظمة قدرة الله وكرمه¡ وهذه القصص إنما حُكيت لنا للاعتبار بها والتأمل فيها (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ).
ثانياً: الدعاء عند نزول الشدائد¡ فالدعاء مفتاحُ الفرج وفي حديثِ ثوبان رضي الله تعالى عنه (لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ¡ وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ) أخرجه الترمذي وغيره¡ وحسّنه الألباني¡ وإذا صدر الدعاء من مُضطرٍّ ضاق عليه خناق المعضلات كان أحرى أن يُستجاب له قال الله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)¡ وبعض الناس يزهد في الدعاء عند تفاقم العسر استسلاماً للواقع الذي يراه¡ ولا يتذكّر أن النازلة التي تضعضع صبره لأجلها إنما نزلت بقضاء الله¡ وإذا رفعها ارتفعت¡ ولا تُوجد حالة مهما بلغت من الصعوبة يكون فيها باب الدعاء مُوصداً أمام المكروب¡ كيف لا وقد قرعه يونس عليه السلام في بطن الحوت في أعماق البحر فرُفعت دعوته إلى السماء¡ وجاءه الفرج¡ فكشف الله ما به من ضرٍّ.
ثالثاً: هناك وسيلةٌ مهمةٌ استباقيةٌ لتبديد العسر¡ وهي أن يكون المرء في حال يسره ممن يحفظ اللهَ ويكف عما يشتهيه لأجل مراقبة ربه¡ فمثله يُرجى أنه إذا نزل به العسر رفعه الله عنه بِيُمْنِ أعماله الصالحة¡ ومصداق ذلك ما ورد في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ¡ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ¡ تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ) أخرجه الحاكم¡ وهذا هو الذي حصل لأصحاب الغار في القصة المشهورة فإنهم لما أصَابَهُمُ الـمَطَرُ¡ دَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جََلٍ¡ فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ¡ فتوسّلوا إلى الله بأعمالٍ لهم صالحة عملوها قبل هذا وهم في حال يُسرٍ وعافية¡ لم يدُرْ في خلد أحد منهم أنه سيلقى هذا الموقف الرهيب¡ وقد توسّلوا ببرِّ الوالدين والكفِّ عن شهوات النفس مع القدرة عليها¡ وحفظ حقوق العباد¡ فاستجاب لهم وأنجاهم من الكرب الذي حلَّ بهم والذي لا منجى منه إلا برحمةٍ من الله تعالى التي أنزلها عليهم¡ فأُزيحت الصخرة التي سدَّت عليهم الغار.
رابعاً: السعي المشروع في الأسباب التي وُضعت لمعالجة المشكلات¡ فالإسلام دين العمل والسعي الدؤوب¡ ولا ينبغي للمسلم أن يكون ضعيفاً متهافت العزيمة¡ يستسلم لأيِّ مشكلةٍ ألـمَّتْ به¡ بل اللائق به إذا حزبه أمرٌ أن يستعين بالله مع صدق اللجوء إلى الله¡ ثم يُعالجُ مشكلته بالمعتاد من الوسائل¡ وأن لا ينشغل بالتحسُّر والتندُّم ولوم النفس على عدم الاحتراز¡ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه¡ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ¡ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ¡ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ¡ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ¡ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ¡ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا¡ وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ¡ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» أخرجه مسلم.




http://www.alriyadh.com/1800233]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]