أحب قراءة المذكرات¡ وكلما قرأت مذكرات أحد ما عاتبت نفسيº لأني لم أستطع فعل ذلك. تدوين مذكراتي أعني.
قرأت مؤخرًا كتاب مذكرات الشباب لمحمد حسين هيكل الأديب والسياسي المصري الذي عاش بين 1888 و1956 وهو صاحب أول رواية عربية "زينب".
حين قرأت مذكرات الشباب أدركت أنه ليس من الضروري أن تمتلئ صفحات المذكرات بالفضائح والعقد النفسية كي يصبح الكتاب ناجحًا أو ممتعًا¡ قد يصبح مشهورًا أو أكثر مبيعًا¡ لكنه ليس بالضرورة أكثر إمتاعًا.
كتب هيكل هذه المذكرات وهو في سن الـ21 أثناء وجوده في فرنسا للدراسة¡ وضمنها رحلاته إلى الدول الأوروبية الأخرى.
أدهشتني اللغة التي كتب بها المذكرات¡ الفصاحة والنباهة والعمق وإبداء الرأي في مختلف المسائل الاجتماعية بمنتهى الهدوء والرزانة¡ كأنه شخص بلغ الأربعين وليس في بداية العشرين. لا عجب إذن أن يكون ممن ساهموا في كتابة أول دستور مصري¡ وأن يصبح وزيرًا للمعارف فيما بعد.
أذهلني مثلاً وهو يقول إنه لا يحب الحديث في السياسةº لأن الذين يتكلمون فيها يسرع إليهم التحمس ويخرجهم عن الهدوء الذي يمكن معه المناقشة المعقولة¡ وأنهم دائمًا متعصبون لأحزاب بعينها بحيث يصلون إلى تقديس الأشخاص القائمين عليها¡ ومع التقديس تختفي إمكانية الحوار.
أو وهو يتحدث في لغة أدبية راقية عن سبب الحزن الذي يبدو في العيون العربية¡ وتفضيل العربي للنغم الحزين على الأصوات المرتفعة الصاخبة.
وأكثر ما أثار إعجابي بشخصيته وهو في تلك السن الصغيرة دفاعه الدائم عن المرأة وحقوقها وإحساسه بالظلم الواقع عليها وإمكانية الخروج من الحالة التي وجدت نفسها فيها والبحث في قضيتها وإعلان رأيه في المسألة بلا خوف من نظرة المجتمع أو اتهامه بالتهم الجاهزة التي يوصم بها أي رجل يدافع عن المرأة وحقوقها. لا يهتم هيكل بذلك إلى الدرجة التي يطالب فيها بتغيير تشريع الطلاقº لما فيه من إجحاف للمرأة بصورته "في ذلك الوقت".
في مذكراته لا ينسى هيكل أن يدون زيارته لمختلف المتاحف¡ إحساسه بالجمال والفن¡ تفاعله مع المنحوتات واللوحات التي أثرت فيه¡ وربط ذلك بالأفكار التي يؤمن بها¡ والمبادئ التي يعتنقها.
حيرته أمام العالم¡ أفكاره عن الإصلاح¡ وهل يجب فرضه على الناس¡ وتساؤله عن الطريقة التي يمكن بها التطور والتقدم بشكل صحيح¡ هذا ما أضاف إلى إعجابي بهذا الفتى الذي كتب كل ذلك قبل مئة عام.
المذكرات¡ حين تكتب بطريقة أدبية¡ تأسرني¡ تعرفني على العالم في ذلك الوقت¡ الأمور التي كانت تتم مناقشتها¡ النظرة إلى الفن¡ المادة¡ المرأة¡ السياسة¡ الحياة الاجتماعية¡ من وجهة نظر شخصية جدًا. هذا هو الإبداع.




http://www.alriyadh.com/1800238]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]