إن نية الدعوة بجمال البلاد ومظاهر شوارعها وأناقة أهلها طريق من طرق الدعوة¡ ولا أدل على ذلك من يوم الجمعة الذي شُرع فيه التطيب ولبس الحسن والاجتماع والتوسعة على الأهل¡ كل ذلك له علاقة بجمال الشكل العام¡ وقال الله لعباده «خذوا زينتكم عند كل مسجد»..
حين قال رسول الله صلى الله عليه وآله "إن الله جميل يحب الجمال" كانت واقعة عين في رجل كان يحب أن يلبس الجميل من الثياب والنعال وغيرهما¡ فأراد أن يقره الدين على فعله هذا¡ فقصد رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه هو المرسل بهذا الدين¡ فكأنه قال "ما حكم الإسلام في ذلك يا رسول الله"¡ فكان الجواب عامًّا لكل شيء للجمال فيه مدخل ومجال للظهور¡ فعرفنا بذلك أن هذا الدين جميل¡ وأن من ينتسب لهذا الدين لا بد أن يكون جميلًاº لأن مُنزل ومشرع هذا الدين جميل هو "الله" سبحانه¡ ولذلك فلا نحتاج التكلف والتجشم لإثبات جمال الإسلام في أعين الأمم الأخرى¡ فمجرد اسمه والتلفظ به هو الجمال بعينه¡ وقد استقر عند العقلاء تسمية القبيح بما يناسبه¡ وتسمية الحسن بما يدل عليه¡ فكان اسم الإسلام حاثًّا لمن يسمع عنه أو يعتنقه على البحث في مضامين حروف اسمه¡ فتكون النتيجة أن اسم الإسلام فعلاً جميل وأخّاذ وجذّاب¡ فلا يحتاج إلى شرح كما يحتاجه غيره من المصطلحات والرموز في الأسماء الأخرى¡ ولكن فلنسأل سؤالاً كاشفًا للواقع: لماذا نرى كثيرًا من البلدان الإسلامية أقل جمالًا وجذبًا من غيرها من البلدان التي لا تنتسب إلى الإسلام¿ وهل هذا معيار صحيح وسؤال منطقي¿ فالجواب أن هذا السؤال منطقي¡ وهو معيار أيضًا وله علاقة بجمال الإسلام¡ وإن كان جمال الإسلام يقاس بقوانينه وأحكامه وعقائده وسيرة نبيه¡ فإنّ المنتسب للإسلام سواءً كانت بلدانًا أو أفرادًا¡ قد تقصر بهم الهمم لتحقيق الجمال المعبر عن حقيقة الانتساب¡ ومن الخطأ اعتبار هذا التقصير مطلبًا دينيًا¡ فالرسول قد أجاب الرجل عن ملبسه ونعله التي يحب حسنها بقوله صلى الله عليه وآله: "إن الله جميل يجب الجمال"¡ ومعنى ذلك أن كل ما جاء مما ظاهره يقلل من الاعتناء بجمال العرض والمظهر كانت أخبار عينº إما لكسر نزعة كبر في نفسٍ ما¡ وإما جبر خاطر لفقير معدم اقتضى الحال مواساته¡ ولا يَفهم أن ترك التزين دين مرغب فيه إلا قاصر النظر قليل المعرفة والاطلاع¡ بل عديم المعرفة¡ فهذه الأساسيات لا تحتاج إلى تكلف لمعرفتها¡ ولو لم يكن فيها آية ولا حديث لاقتضت الفطرة والعقل أن جمال المظهر وترتيب الحياة ورونقة ما يسر العين شيء محبوب ويسعى له كل أحد¡ ولذلك كان لزامًا على المسلمين الاعتناء بكل ما من شأنه أن يجذب الآخرين من عمران وزراعة وصناعة الحدائق والمتاحف والمتنزهات وليس ذلك من اللهو في شيء¡ بل إن نية الدعوة بجمال البلاد ومظاهر شوارعها وأناقة أهلها طريق من طرق الدعوة¡ ولا أدل على ذلك من يوم الجمعة الذي شرع فيه التطيب ولبس الحسن والاجتماع والتوسعة على الأهل¡ كل ذلك له علاقة بجمال الشكل العام¡ وقال الله لعباده "خذوا زينتكم عند كل مسجد".
وفي التنزيل قال ربنا عن السماء "وزيناها للناظرين"¡ وقال في سياق تعداد النعم "والخيل والبغال والحمير لتركبوها"¡ إلى هنا انتهى المراد بصيغة بلاغية وتمت جملة تذكيرية بهذه النعم العظيمة¡ لكنه قال (وزينة) تنبيهًا على أن ما يشعر به الراكب من تفضيله بهذا الخيل على غيره سيكون محط نظر الآخرين¡ وتسر بجماله وزينته أعين كثيرة¡ وهو أمر مشروع أن تدخل السرور على الآخرين ولو بما يسر العين¡ ومن ذلك ما هو أعم وأوسع حيث تتميز بعض المدن بالجمال والعمران والحدائق والأناقة¡ ما يجعل كثيرًا من الناس يقصدها لمجرد جمالها وتسر عينه وخاطره بدخولها ورؤيتها¡ فكيف إذا وجد في هذه المدينة الجميلة آداب الساكنين¡ وأمانة المتاجرين¡ وابتسامات العابرين¡ واحترام الصغير للكبير¡ ورحمة الكبير للصغير¡ ودقة المواعيد¡ والشفافية في الحديث¡ فإن ذلك كله من تضافر الجمال واجتماعه في المظهر والمخبر. هذا¡ والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1800708]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]