اليوم هناك افتراض في الاقتصاد الكلاسيكي أو الاقتصاد السائد بأن الأفراد يتصرفون وفقاً لتفضيلاتهم العقلانية وليس العاطفية أو الرغبات¡ وعلى ضوء ذلك تم تصميم غالبية البرامج المالية والاقتصادية على هذا الافتراض¡ إلا أن تلك البرامج لم تحقق الفعالية المرجوةº فخلق نوعاً من التوازن المالي الإيجابي أو الحث على تبني سياسات الترشيد والإنفاق الفعالة¡ بل خلق نوعاً من ردات الفعل السلبية والمقاومة والتذمر وعدم التعاون والمزيد من خرق القوانين.
كما يبدو اليوم أن الحوافز الاقتصادية التقليدية تثبت أحياناً أنها غير فعالةº لأنها ركزت على سياسات أكثر نمطية وعقلانية بينما السياسات والافتراضات التي يتبناها الاقتصاد السلوكي الحديث تحد وتقيد مثل تلك السياسات العقلانية¡ وتتبنى النماذج التي تعزز السلوك البشري الإيجابي وخصوصية المعايير الاجتماعية والثقافية لكل مجتمع¡ بالإضافة إلى فهم أوسع ودقيق لتصرفات الناس وحاجاتهم وميولهم ورغباتهم ودوافعهم بشكل يهدف إلى تحسين أداء السياسات سواء وقائية أو علاجية أو إنتاجية وحتى الخدمية.
اليوم الكثير من الحكومات إما أنها دمجت أو ستدمج نهج ومبادئ الاقتصاد السلوكي في سياستها الداخلية¡ ففي العام 2010 أنشأت الحكومة البريطانية فريق الرؤى السلوكية (BIT)¡ وفي العام 2014 أنشأت الولايات المتحدة فريق العلوم الاجتماعية والسلوكية التابع للبيت الأبيض¡ وكذلك تم إنشاء ودمج وحدات في العلوم السلوكية والاقتصاد في أستراليا والدنمارك والبنك الدولي والسعودية والعديد من الدول الأخرى بغية توفير المزيد من الخيارات والاختيارات التي تغير سلوك الناس بشكل إيجابي وصحي واقتصادي¡ وتخفض من الإنفاق الشخصي والحكومي¡ وفي نفس الوقت ترفع من جودة الحياة والرضا والتعاون والشراكة والولاء لدى الناس والمستفيدين من الخدمات.
الدخول إلى قلوب الناس وجعلهم يتبنون قضاياهم الصحية والاجتماعية والاقتصادية موضوع مهم وفي غاية الدقة¡ فتفضيلات عامة الناس تختلف عن آراء وتفضيلات المختصين والمشرعينº لأنها لا تركز كثيراً على الجوانب العقلانية¡ فالناس تغلب عليهم مشاعر العاطفة والرغبة واللذة على العقل¡ وعندما نعرض عليهم السياسات والإجراءات والتعليمات التي نعتقد كمشرعين ومسؤولين أنها تصب في مصلحتهم وصحتهم ومصلحة البلد فإنهم قد يكونون حساسين وغير متعاونين وغير مهيئين معرفياً للطريقة التي تم من خلالها تقديم تلك الأمور لهم¡ وبالتالي يفضل أن نراعي وبشدة مثل تلك الأمور الإنسانية والسلوكية والمعرفية إذا أردنا أن ندخل إلى عقولهم وقلوبهم من أجل وضع التدخلات التي تساعدهم في تحسين حياتهم ورفع مستوى شعورهم بالمسؤولية والشراكة¡ وتجنب الخيارات التي قد يندمون عليها لاحقاً.




http://www.alriyadh.com/1804830]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]