أعتقد أن ما تشهده بلادنا من حركة تنوير لافتة في المجالات كافة يستوجب الإسراع في حلول خارج الصندوق لمعالجة الموضوع دون الاكتفاء بتقاليد الأسرة أو القبيلة¡ لتكون في إطار مسؤولية الدولة ككل¡ للحفاظ على كيان المجتمع..
وفق "الكتاب الإحصائي السنوي" الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة مؤخراً¡ فإن معدل الطلاق في المملكة وصل إلى 7 حالات في الساعة الواحدة¡ أي بمعدل 160 حالة طلاق يومياً (58.400 حالة سنوية)¡ وأن 10 زيجات يُقابلها 3 حالات طلاق¡ أي ثلث حالات الزواج في المجتمع السعودي مصيرها الفشل.
أرقام مفزعة - ورسمية موثقة عن مؤسسة حكومية - تستدعي دق جرس إنذار عاجل وسريع لبحث هذه الظاهرة السلبية¡ ومعرفة أسبابها الفعلية¡ دون اكتفاء بشعارات إنشائية أو دعوات مطاطة لن تغير من الأمر الواقع شيئاً¡ بل إني أعتبرها مجرد قفز على الأرقام ودلالاتها الاجتماعية مأساوياً.. إذ لا يمكن الاستمرار في السكوت أو الصمت لأننا أمام ما يشبه الشرخ المجتمعي¡ وأين¿ في صميم كيان مفهوم الأسرة بمعناها الديني والأخلاقي¡ وما يعنيه ذلك على المستقبل القريب أو البعيد.
شفافية التعامل مع مثل هذا الأمر - وفق هكذا معطيات - بمثل ما تتطلب تدخل الدولة بجميع مؤسساتها في إطار تشاركي وتكاملي¡ وليس مجرد لجنة تجتمع وتبحث وتخرج بتوصيات قد ينتهي بها الأمر في درج ما عند مسؤول ما في مؤسسة ما¡ حتى نفاجأ بأرقام أخرى تزيد الطين بلة¡ فإنها تتطلب وعياً اجتماعياً يتخطى الإطار التقليدي المتعارف عليه في الزواج لدينا¡ وأعتقد أن ما تشهده بلادنا من حركة تنوير لافتة في المجالات كافة يستوجب الإسراع في حلول خارج الصندوق لمعالجة الموضوع دون الاكتفاء بتقاليد الأسرة أو القبيلة¡ لتكون في إطار مسؤولية الدولة ككل¡ للحفاظ على كيان المجتمع¡ إذ بدلاً من الشكاوى المستمرة حول ظاهرة العنوسة مثلاً¡ فإن الشكاوى باتت حول نسب الانهيار في الزواج كمؤسسة أسرية هي نواة وركيزة المجتمع ذاته¡ وإلا فما معنى أن ثلث حالات الزواج - حسب هذه الأرقام الرسمية - فاشلة¡ وبالتالي فإن نتائج هذا الفشل تتجاوز الزوجين لتضرب مستقبل الأطفال لاحقاً.. وهنا الخطورة القصوى.
الأخطر - وهو تتبع ظاهرة الطلاق التي تصل إلى 60 % خلال السنة الأولى من الزواج وحدها - يضعنا أمام سلسلة من الأرقام التصاعدية التي أجزم أن لا أحد توقف عندها في وقتها¡ وتعامل معها كنوع من الأخبار فقط¡ قبل 10 سنوات¡ وفي العام 2010 كشفت وزارة العدل أن حصيلة حالات الطلاق الواردة إلى المحاكم بلغت 9233 حالة¡ وفي غضون هذه السنوات العشر¡ تضاعف الرقم للأسف لستة أضعافه تقريباً وفق الإحصاء الأخير¡ هذا عدا الخسائر المالية الناتجة عن الطلاق¡ وهي كارثية بكل المقاييس¡ لأنه إذا اعتبرنا تكلفة الزيجة الواحدة تقدر بـ60 ألف ريال - على أساس أن هذه هي التكلفة التي يقدمها "قرض الزواج" في بنك التنمية الاجتماعية لمساعدة الشباب المقبل على الزواج - فبالتالي سنكون أمام قرابة 3.5 مليارات ريال هي إجمالي الخسائر المادية الناجمة عن الطلاق خلال العام قبل الماضي 2018 وحده¡ مع أن الأرجح أن متوسط الحد الأدنى لتكاليف الزواج هو ضعف هذا المبلغ¡ أي أننا أمام خسائر تتجاوز الـ7 مليارات ريال سنوياً!
لن أخوض في الأسباب الواقعية لزيادة حالات الطلاق¡ والتي وصلت إلى 17 سبباً وفق إحدى الدراسات¡ جاء في مقدمتها أن الاختيار يتم على أسس قرابة وقبلية - أي اجتماعية بالدرجة الأولى - لأن هناك من يستطيع تقييم الأسباب بموضوعية وشفافية¡ ولكن ما يعنيني هو "فزعة" الدولة التي أثق في قدرتها على معالجة هكذا ملفات شائكة بحكمة وصرامة تعتمد على التهيئة الذهنية والفكرية والتدخل الواعي بمشاركة كل من يهمه الأمر لحماية مجتمعنا ووقف مثل هذا النزيف الأسري الذي بالتأكيد يعتبر خللاً يضرب مستقبلنا بشدة.
وفي هذا المقام¡ أراهن على قدرة الحركة التنويرية التي تشهدها بلادنا في إطار رؤية 2030 الاستراتيجية لمعالجة هذا الخلل¡ وأثق في أن الوعي سينتصر في النهاية¡ لأن هذا الوطن بأبنائه وبناته يستحق ما هو أكثر.




http://www.alriyadh.com/1805046]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]