لم يكن عرض**«درايش النور»**سوى انعكاس**لرؤية**2020 التي أصبحت**تموج بكل صنوف التنوير والمعرفة¡ محافظاً على هويته في ذات الوقت¡ وهي معادلة صعبة لكنها تحققت**على يد مبدعين تنويريين وعلى رأسهم معالي وزير الثقافة..
طفلة لم تتعدّ عامها التاسع جميلة مرحة موهوبة ومغرمة بالفن والتمثيل والتصوير إلى درجة أنها تتأمل الصور التي يرسمها أخوها**ثم تجسدها بحسب ما تجود به مخيلتها. تتفق وأخاها**الرسام حمد أن تسقي**موهبتها ويسافر شقيقها إلى الرياض¡ يودعها على أغنية تقول:
ياساقي الورد زود ماه
لا يذبل الورد ياساقي
كف العنود ازدهر حناه
يا**موطن العز**يا**راقي
للوهلة الأولى**نستشف ذلك الانعكاس بين شخصية العنود والوطن**والتي كانت**في**مجتمع لا يمكنها من تحقيق أحلامها ليس هي فحسب وإنما جميع بنات جيلها اللاتي**يطللن من النوافذ "الدرايش"**بشغف على ما يدور في ساحاتهن من أفراح ورقص وليالي السمر التي لا تخلو من غزوات بعض المتشددين في إفساد تلك الليالي وحقول السمر.
ينقسم الصراع بين**متشدد**رافض¡**ومعتدل يطلب من الحياة يسرها¡**ويقع**حمد**أسيراً في**الفئة الأخرى**فيكسر**ابن عمه**عبدالرحمن يده التي**يرسم بها لوحاته¡**وهنا تحدث المفارقة¡**يتعرف**حمد**على ابن عمه**الذي كسر يده¡**فيحاول إقناعه لكنه لا**ينثني¡**فلكل منهما اتجاهه**الفكري.
كل ذلك يدور والنساء خلف النوافذ ومنهن العنود المبدعة التي أصبحت في ريعان شبابها**دون أن نرى تقلبات الحدث لديها سوى في ظهورها في الفصل الأخير. ومن هنا نكتشف أن الزمن الدرامي لهذا الحدث المسرحي**يقارب**ثلاثين عاماً¡**وهو**فيما يبدو**انعكاس لفترة الصحوة**على مدار**تلك**الحقبة.
وفي فعل غير مبرر درامياً**نجد أن الأرض قد ابتلعت**كفة الصراع الأخرى.
يخرج الجميع إلى**نوافذ**النور وإلى الإبداع وإلى حفل زفاف راقص يضم كل فئات المجتمع.
هذا**هو**النص**"درايش النور" تأليف صالح زمانان الذي قدم في حفل افتتاح المسرح الوطني بمركز الملك فهد بالرياض يوم 19 /1 / 2020 في احتفال عربي**كبير**وحضور جماهيري ينم عن شغف كبير**بالمسرح.
هذا العرض المسرحي يعكس**ما يحدث في المملكة من تطور سريع وإفاقة مبهجة في**مناخ من الاعتدال والوسطية¡**وبلغة**متنوعة**من اللهجات السعودية¡**ليعكس**الحدث**بشك ل عام على جميع الأطياف.
تناول المخرج "فطيس بقنة"**هذا النص متبنياً رؤية الكاتب فسار في ركابها وقدمه**في إطار المسرح الاستعراضي. وليس المسرح الاحتفالي**كما يقالº**لأن**المسرح الاحتفالي هو ما يقدم في حلقة يشارك فيها المتفرجون واللاعبون**في شكل طقسي.**أما المسرح**الاستعراضي**- وهو الأقرب إلى ما قدمه المخرج -**فهو حدث بسيط غير معقد**تتخلله رقصات وأغانٍ تنتهي بالفرحة والبهجة.
والحقيقة أنه يحسب له ولكل القائمين على هذا العرض - لعلهم**لا يدركون -**أنهم أسسوا لما يسمى بـ"المسرح الاستعراضي"**في المملكة ولأول مرة.
استخدم المخرج تقنية "ثري**دي مابينغ -**3Dmapping"**المناظر مما أضاف على العرض نوعاً من الإبهار**والواقعية¡**وجاءت الملابس متلائمة مع واقعية الحدث وبيئته¡ حيث تنوعت بين الملابس الشعبية لكل منطقة¡ في حين جاءت ملابس**الأبطال سواء كانت العنود أو**حمد**أو ابن عمه**عبدالرحمن**عصرية تنم عن**عصرية الحدث نفسه¡ كما أن ملابس**استعراضات**النساء**كا نت عصرية¡**بينما احتفظ بالأزياء الشعبية للرجال وخاصة في الرقصات**الشعبية.
أما عنصر الإضاءة**بمدلولاتها**الدرام ية فقد غاب وانفلت من يد المخرج¡ ذلك لطغيان إضاءة الليزر**المتمثلة في**"المابينغ ثري دي"¡**والتي لم تدع للإضاءة الدرامية ذات التأثير أي متنفس.
وبطبيعة الحال كنت أود أن يقدم الاحتفال بطقوسه جميعها في بداية الافتتاح البديع ثم**يأتي عرض مسرحي تقني كلاسيكي في الجزء الثاني من الحفل¡ ذلك لأهمية المسمى**التي يفرضها**"المسرح الوطني"¡ فمن المعروف أن المسرح الوطني في**كل بلاد العالم هو مسرح الدولة الرسمي الذي يقدم عروضاً**كلاسيكية**بمفهومها التقني وبمفهومها الوطني.**فالمسرح الاستعراضي**له**مكان¡**والمس رح الطليعي له مكان¡ والمسرح الوطني**له خاصية دقيقة على كل المستويات¡ ولا يجب أن تخلط المفاهيم المسرحية على مسرح واحد.
وعلى كل حال فإن فريق العمل من مخرج وكاتب وتقنيين وعلى رأسهم الأستاذ عبدالعزيز السماعيل قد قدموا لنا نوعاً من البهجة والفرجة بين الشجن فيما كانت عليه النظرة للفن وما أصبحت علية ضمن رؤية 2020¡ والتي من أهمها الاهتمام**بالتنوير والاعتدال في كل ما يقدم دون مغالاة**أو انفلات.
إن هذا الاحتفال "تدشين المسرح الوطني السعودي" هو حدث تاريخي في تاريخ الفن المسرحي السعودي بكل المقاييس تحت ظل وزارة الثقافة وبقيادة**معالي**الوزير الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان الواعي المثقف والطامح إلى نوافذ النور التي اتخذت من العرض المسرحي اسماً لها "درايش النور"¡ والتي لم تسلط الضوء على مشكلات كل فئات المجتمع من شباب وشيوخ فحسب¡**وإنما أعطت المرأة قسطاً وفيراً**من التناول حين كانت لا تفتأ أن تشارك المجتمع إلا من خلف الجدر ومن خلال**تلك النوافذ¡**لكننا نجدها في**نهاية العرض تشارك أندادها بفنها ووعيها وتسترها أيضاً دون جنوح بين هذا وذاك¡ كما أن العنود تلك الطفلة المحبة المنطلقة الولهة**بكل فنون الحياة تخبو**طيلة العرض¡**فلا نجدها إلا شابة يافعة يقارب سنها الثلاثين عاماً¡ وهو انعكاس**لفترة الصحوة.
لم يكن عرض**"درايش النور"**سوى انعكاس**لرؤية**2020 التي أصبحت**تموج بكل صنوف التنوير والمعرفة¡ محافظاً على هويته في ذات الوقت¡ وهي معادلة صعبة لكنها تحققت**على يد مبدعين تنويريين وعلى رأسهم سمو وزير الثقافة¡**والأستاذ عبدالعزيز السماعيل الذي بذل جهداً ملحوظاً حتى يخرج الاحتفال بهذه الدهشة الماتعة.




http://www.alriyadh.com/1805048]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]