إن المقصد العام من العبادات في الإسلام هو إقامة ذكر الله عز وجل¡ فكل العبادات من صلاة وزكاة وصيام وحج وعمرةº إنما شُرعت لأجل إقامة ذكر الله¡ ولذلك قال الله تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) فما تشتمل عليه الصلاة من ذكر الله بالقلب واللسان والبدن هو المقصود الأهم والأكبر وإذا تحققº تحقق المقصود الآخر وهو عدم مقاربة الفحشاء والمنكر¡ فذكر الله: فعل¡ وعدم مقاربة الفحشاء والمنكر: كف¡ وإذا تحقق الفعل تحقق الكف. ولذلك قال العلماء: «الصلاة فيها دفع مكروه وهو الفحشاء¡ وفيها تحصيل محبوب وهو ذكر الله¡ وحصول هذا المحبوب أكبر من دفع ذلك المكروه».
وهكذا بقية العبادات¡ فالمقصود من إقامتها: ذكر الله عزَّ وجل¡ وإذا جئنا إلى شعائر الحج والعمرة فإن المقصود منها أيضاً: إقامة ذكر الله تعالى¡ وفي هذا يقول -عليه الصلاة والسلام- (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله).
ومن هذا المنطلق كان السلف الصالح يحرصون -وهم يطوفون بالبيت الحرام وبين الصفا والمروة- ألا ينشغلوا بغير ذكر الله عز وجل¡ وأخبارهم وتقريراتهم في ذلك كثيرة¡ منها ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنه: أنَّ عروة بن الزبير خطب إليه ابنته في الطواف¡ فلم يرد عليه ابن عمر¡ فلماء جاء إلى المدينة لقيه عروة¡ فقال له ابن عمر: «أدركتني في الطواف ونحن نتراءى الله بين أعيننا¡ فذاك الذي منعني أن أرد عليك» ثم زوجه.
قال ابن بطال تعليقاً على هذا الأثر: والذي سأل عروة باباً من أبواب المباح¡ فأبى ابن عمر أن يجيبه تعظيماً لله تعالى¡ إذ هو طائف ببيته الحرام.
وعلماء الإسلام قاطبة يقرِّرون أن الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة عبادة جليلة ينبغي أن يكون فيها المسلم في: «غاية الوقار والإجلال مع الله تعالىº لأنه في عبادته وعند بيته».
ومن ثمَّ فإنهم يقرِّرون -أيضاً- أنَّ المعتمر في عمرته يشبه المصلي في صلاته¡ وأن عليه أن يُقبل على ربه ولا ينشغل بغير ذكره¡ وفي ذلك يقول القرافي -وهو من علماء المالكية-: «ينبغي أن يفتتح الطواف بتوحيد الله¡ كما يفتتح الصلاة بالتكبير¡ ويخشع لربه¡ ويعقل ببيت مَن يطوف¡ ولمعروف مَن يتعرَّض¡ وليسأل غفران ذنوبه¡ والتجاوز عن سيئاته¡ ويشغل نفسه بذلك وخواطره».
كتبت ذلك لمّا رأيت مقطعاً مصوراً لبعض المعتمرين من إحدى الجنسيات وهم يطوفون بين الصفا والمروة ويهتفون بشعارات للأقصى¡ فهل يجوز مثل هذا الفعل والمسلم في عبادة محضة¿
أولاً: قضية الأقصى قضية متفق عليها بين المسلمين كافة¡ وقد عبروا عن مواقفهم في كل منصات التعبير السياسية الأممي منها والإسلامي والعربي¡ فالموقف معروف ومتحد.
ثانياً: من خلال التحرير الذي قدمته من تعظيم شعيرة الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة¡ وأن المسلم لا ينبغي له فيها أن ينشغل بغير ذكر الله¡ وذلك محل إجماع بين العلماءº فلا شك أن إطلاق هذه الشعارات أثناء أداء العمرة في بيت الله الحرام لا يجوزº لا سيما إذا استحضرنا مآلات هذه الأفعالº فإنها لو أجيزت شرعاً لأصبح الحرم منتدى للشعارات السياسية¡ وابتعدت الشعيرة عن روحها ومضمونها الذي أقيم على ذكر الله¡ ولخرجت -أيضاً- هذه الشعارات من القضايا المتفق عليها إلى القضايا المختلف فيها¡ ولكان الحرم -بعد ذلك- من كونه رمزاً لوحدة الإمة الإسلامية إلى محل للاختلاف بينهم.
ثالثاً: يحفظ للمملكة العربية السعودية من ضمن خدماتها العظيمة التي قدمتها للحرمين الشريفين: أن حفظت الشعائر والمشاعر من أي تشويش أو بلبلة يؤثر على طمأنينة الحجاج والمعتمرين والزوار وهم يؤدون مناسكهم.
رابعاً: ليحرص الحاج والمعتمر والزائر على أن يلتزم بآداب الإسلام¡ وآداب المشاعر والشعائر¡ وأن يعظم حرمات الله¡ ويعظم الأماكن الطاهرة المقدسة¡ ونصيحة مخلصة لكل مسلم جاء إلى بيت الله الحرام: احذر غاية الحذر من كل ما يفسد النسك أو ينقص الثواب¡ ويَذهب بالأجر¡ احذر من الإلحاد في الحرمº فكل مخالفة أو أذى يؤثر على طمأنينة الشعيرة وخشوع المصلين والطائفين فهو إلحاد¡ وقد قال الله تعالى: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم).




http://www.alriyadh.com/1805081]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]