دون شكٍ إن وزارة الثقافة على وعي كامل بقيمة العمارة التي توصف بأنها "أم الفنون"¡ ويبدو أن هذا الوصف التاريخي لهذه المهنة كان غائباً عن الممارسة الفعلية في المملكة¡ لكن على ما يبدو بدأت تظهر ملامح لجيل من الشباب المعماريين السعوديين..
قبل أكثر من عقدين من الزمن كنت أنادي بتأسيس هيئة مهنية للمعماريين¡ وكنت أرى أن الحل الوحيد الذي أمامنا هو أن يكون هناك "منظومة" تجمع المعماريين وتؤسس لفكر فلسفي ومهني في مجال العمارة¡ على أن تلك الأحلام لم تتحقق حتى أنني كتبت ذات مرة مقالا أعبر فيه عن "حنقي" بعنوان: "المعماريون الكسالى" كردة فعل على عدم اكتراث المعماريين بقيمة تخصصهم الثقافي ودوره في تشكيل الهوية الوطنية بشكل عام. على أن النقلة النوعية التي قامت بها وزارة الثقافة التي عملت على إطلاق مجموعة من الهيئات المتعلقة بالثقافة من ضمنها "هيئة فنون العمارة" تمثل نقطة تحول في ذلك الحلم. ورغم أن الهيئة الجديدة تبدو "ثقافية" بشكل محض ولا تتقاطع مع العمل المهني وتنظيمه إلا أنني على قناعة أن تأثيرها المهني سيكون كبيرا جدا¡ بل أنني أعتقد أنها بوابة كبيرة لإشاعة الوعي المعماري الذي سيقود إلى تأسيس هيئة مهنية خاصة بالمعماريين بدلا من إذابتهم في هيئة المهندسين.
وبما أننا أظهرنا هذا التفاؤل الكبير بهيئة العمارة "الثقافية"¡ دعونا إذاً نتساءل عن الدور المتوقع لهذه الهيئة¡ فماذا يجب أن تفعل لتغيير الواقع المعماري في بلادنا¿¡ هذا السؤال على وجه التحديد لم تستطع أن تجيب عليه كل المدارس المعمارية الوطنية منذ أن تأسس أول قسم للعمارة في العام 1967م في جامعة الملك سعود. ولم يستطع أن يجيب عليه أجيال من أساتذة وطلاب العمارة السعوديين خلال نصف قرن¡ فماذا عسى أن تفعل هذه الهيئة الجديدة كي تجيب على هذا السؤال الذي أراه محوريا ومؤسسا لمستقبل العمارة في السعودية.
دون شك إن وزارة الثقافة على وعي كامل بقيمة العمارة التي توصف بأنها "أم الفنون"¡ ويبدو أن هذا الوصف التاريخي لهذه المهنة كان غائبا عن الممارسة الفعلية في المملكة¡ لكن على ما يبدو بدأت تظهر ملامح لجيل من الشباب المعماريين السعوديين الذين بدؤوا يفرضون واقعا جديدا لفت الانتباه لقيمة "الفن" الكامن في العمارة التي هي على غير طبيعة الفنون الأخرى¡ كونها جزءا من "تذوق الحياة" بشكل مباشر¡ وأقصد أن العمارة فن يعيشه الناس وبالتالي فإن الشعور بحالة الفن فيها يكمن في اللاوعي¡ أي أن الناس يتذوقون الفن دون أن يستطيعوا في كثير من الأحيان أن يشيروا له.
هذه الحالة المتفردة لفنون العمارة لا بد أن تصنع واقعا جديدا مع وجود هذا العمل المؤسسي الوليد¡ ورغم أن نطاق عمل الهيئة غامض حتى هذه اللحظة¡ وهو ما يستوجب أن يكون هناك وضوح في أن "فنون العمارة" ليست هي المنتج النهائي للعمارة فقط بل هي سلسلة العمليات والإجراءات التي تنتج عنها العمارة¡ ومنها "النقد المعماري" الذي يصنع حراكا فكريا موجها للمنتج المعماري ومهذبا له.
إطار عمل الهيئة يجب أن يكون واسعا كي يشمل النشر المعماري وتأسيس دوريات مهنية وعلمية تعنى بالبناء الفكري والذوقي للمعماريين وعامة الناس¡ دعونا نقول إن هيئة فنون العمارة يفترض منها أن ترتقي بالذائقة المعمارية السعودية¡ وهذا هدف نبيل لكنه يحتاج إلى عمل جاد وعميق وليس مجرد اجتهادات.
يتبقى أن أشير إلى حلم تأسيس "عمارة سعودية مستقبلية" أو ما أسميته ذات مرة "المدرسة السعودية في العمارة". لقد كان بعض الزملاء يرى هذا الحلم خارجا عن الواقع الذي لا يدعم بناء مثل هذا التوجه الذي يتطلب تغييرا شاملا في فلسفة التعليم المعماري في الجامعات السعودية ويتطلب بناء مفاهيم مشتركة لما يمكن أن نطلق عليه "مدرسة سعودية في العمارة"¡ أتمنى ألا أكون قد أفرطت في الحلم¡ لكن العمارة في جوهرها هي علاقة تبادلية بين الناس وما يملكونه من موارد وتقنيات وأدوات¡ وهذه العلاقة في ظل وجود منظومة مؤسسة واعية يمكن أن تجعل ما كان يعتقده البعض مستحيلاً واقعاً.




http://www.alriyadh.com/1806041]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]