منذ انفتحتُ عليه أول مرة في ثمانينات قرننا الماضي وأنا مأخوذ بشبهي به¡ مشغولٌ بخطواته بنا¡ إذ استيقظت ذات قراءات أولى على رجل أخبرت الأصدقاء دائمًا على أن ثمة تقاطعًا بيني وبينه حيث القبيلة الأم¡ ومواطئ إبل الأجداد¡ وتنازع الصحراء والبحر لكلينا¡ إنه الدكتور سعيد السريحي الذي خرج علينا الأسبوع الماضي عبر «صورة المديفر» من أقواس الرتابة والعادية.. وقدّم لنا الإنسان خارج سطوة الزمن¡ الإنسان المشغول بما لا يراه حين يدركه¡ إنه السريحي تمامًا تمامًا ذلك الذي يفكر مثلي قبلي ويحضر فأدّعي أنني كنت سأقول ما قال¡ وكلما أصدر كتابًا.. حملقت به.. أقلب في صفحاته أول الأمر ثم أحدث عنه الأصدقاء.. لكنني بيني وبين صمتي أقول: كيف سبقني إليه¿
لستُ بشيء لأدّعيه لكنني أتذاكر هذا لكم لأحدثكم عن فتنة الإعجاب والإيمان حينما تفسّرها هذه الأنا الدفينة.. أعود إلى دكتورنا الذي حضر في صورة عابرة ليمنحنا انتظارًا مشوّقًا لكتابه الحديث (الكتابة خارج الأقواس.. سيرة غير ذاتية للمدعو سعيد)¡ ثم تحدّث فسال التفكير على حائط الصورة¡ وصارت الدهشة بروازها...
السريحي الذي قدمه المديفر عبر «بروفايل» يكثر به ويقصر عنه أحيانًا.. وقفت هنا لأعيده عليكم كما تهجَّأته تاريخًا¡ وعايشته زمنًا.. وأخيرًا صادقته روحًا أنبل من الذكرى¡ وأصدق من الغيب:
«ملامحه هدوءُ القرية.. وانتباهة البحر للريح... منذ فجر الضوء وهو يقيم في سكينته¡ ويستعين على حاجاته فيها بالرضا..
ثابتٌ كالزمن فيه ومتكئٌ عليه.. يجمع من رصيف الكلام ملامحه.. ومن كتب الريح رؤاه.. ومن فوّهة الضوء ناره..
د. سعيد السريحي.. شهادته التاريخ حينما كتبه المنتصرون فيه قبل أن يفضحهم انتصارهم¡ وأسماؤه سطورٌ ترتشفها القهوة.. وتتعاطاها «مراكيز» الرويس.. حيث بلَغَهَ البحرُ وما عادَ منه إلا بكرمٍ بلا هويّة.. وقهوة على نارٍ لا تنطفئ.. هيئته بدويٌّ من أقصى السكينة يسعى.. إذا تحدّث أفْصح¡ وإن كتب قامت المدينة لأداء الحياة..
في وجهه رمل البحر.. أو عشب الصحراء¡ لا فرق حينما جعل من شاطئه شجرة ومن بحره طريقًا آخر يسلكه الضاربون في الحلم.
كلامه الصمت.. وصمته الكلام.. وبينهما قلمٌ كأظافر الغناء.. كلما خربشت وجه الواقع اشتكى غناءً...
متصالح مع نفسه حينما يخلو معها في مرآة اللحظة.. ومكتفٍ بها كلما تطاولت الألسن على الكلام..
تنصت لتجليّات وجهه كلما تحدّث.. فتشعر برغبة لا تنتهي للكتابة فيه.. ثم حينما تقرؤه تبحث في كلماته عن مدينةٍ سافرت إلى البحر¡ أو عن صحراء تركض وراء غيمة لعوب...
سعيد السريحي.. الزمن حينما يختاره التاريخ راويًا»..!




http://www.alriyadh.com/1806019]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]