علمنا "كورونا" أهمية الصحة وأنها لا تقدر بثمن¡ وأن العاملين في جميع المنشآت الصحية هم أبناؤنا وإخواننا وأخواتنا¡ نذروا أنفسهم لخدمتنا.. إنهم خط المواجهة الأول¡ يقفون في الصفوف الأمامية لحمايتنا من هذا الفيروس الخطير
أنظر إلى تعامل قيادتي ليس مع مواطنيها فحسب سواء كانوا داخل البلاد أو خارجها¡ ولكن حتى مع ضيوفها الوافدين¡ فأرى ما يدعو إلى الفخر والاعتزاز. لم تفرق بين أحد في المعاملة¡ فكلهم سواسية مواطنين أو وافدين رغم القلق والخوف الذي ينتاب العالم بسبب هذا الزائر الخفي.. والاحترازات الوقائية التي قامت بها معظم الدول لمحاربته ووقاية الناس منه¡ إلا أن فيروس كورونا وأزمته المفاجئة علمانا كثيرًا في هذه الفترة التي أجبرنا فيها على الحجر المنزلي¡ وتوقفنا عن ممارسة كل أمور حياتنا العملية التي تعودنا عليها سابقًا من رياضة ودراسة وعمل ولقاءات وترفيه وما إليها.. فماذا علمنا "كورونا"¿
علمنا "كورونا" كم هو وطننا عزيز وغال علينا مهما تباعدت الأماكن والمسافاتº حيث أكتب لكم من دبلن في إيرلندا (لكوني أقيم مع ابنتي التي تواصل دراساتها العليا هناك)¡ وأنظر إلى تعامل قيادتي ليس مع مواطنيها فحسب¡ سواء كانوا داخل البلاد أو خارجها¡ ولكن حتى مع ضيوفها الوافدين¡ فأرى ما يدعو إلى الفخر والاعتزاز. لم تفرق بين أحد في المعاملة¡ فكلهم سواسية مواطنين أو وافدين¡ لم تطلب من أحد المغادرة¡ وإنما عاملته كمواطن له حقوق وعليه واجبات¡ عاملته بكل حرص وسخاء وحب وأريحية. إنها فعلاً نعمة الشعور بوحدة الوطن وتلاحم أفراده مع قيادته في بوتقة واحدة. إنها نعمة الأمن والأمان التي نعيشها في وطننا العزيز وتفتقدها كثير من الشعوب.
علمنا "كورونا" كيف تدير الدول أزماتها الكبرى وهي أمام اختبار حقيقي¡ وما نوعية السياسات التي تتبعها تجاه هذا الوباء العالمي¡ وكيف تنظر إلى شعوبها¡ وكيف يتفاوت تعاملها معهم ما بين حريص على صحتهم وأمنهم¡ ومن هو غير مبال إلا بالدعاية والتطبيل والتضليل¡ مؤكدًا أن الأمور عادية وبسيطة¡ ولا حاجة لعمل أي احترازات وأي إجراءات طبية أخرى¡ فتتضاعف مصيبتهم.
علمنا "كورونا" أهمية الأسرة وجمال الالتفاف الأسري¡ وحلاوة الاجتماع معهم¡ وكيف أهملنا الاهتمام بهم في لحظات نموهم الصعبة¡ وكم مقدار المحبة التي نكنها لهم¡ وكيف أن التضامن فيما بين أفراد الأسرة يقرب المسافات بينهم بشكل أعمق مما كان سابقًا¡ يتعرفون على أشياء جديدة في حياتهم لم يكن الوقت يسمح حتى بالحديث عنها¡ أو الحوار حولها¡ واكتشفنا مهارات مختلفة في الطبخ والهوايات وحتى المرح.. تتوحد فترات الأكل وفترات الترفيه بينهم في مكان واحد بعد أن كان كلٌّ مشغولًا بهمومه وأعماله الأخرى التي لا تنتهي. أدركنا في ظل هذه الأزمة الخانقة أننا بدون الأسرة وكأننا شجرة بلا ثمر¡ بل كأننا نعيش حياة لا معنى لها.
علمنا "كورونا" أهمية القيم المجتمعية في ظل حياة مادية طغت فيها الأنانية والفردية على تصرفاتنا¡ فقدم لنا فرصة لمراجعة الذات لنتعرف على جوهر حياتنا الحقيقي بجمالها وأخلاقياتها التي هي جزء أصيل من قيمنا الدينية. لقد قدم لنا "كورونا" فرصة حقيقية لقياس سلوك المجتمع في تمسكه بالقيم الإنسانية النبيلة المتمثلة في التضامن والتآخي والمبادرة والمسؤولية الاجتماعية.
علمنا "كورونا" كيف نعتني بأنفسنا بطرق مختلفة¡ ونحرص على نظافة أجسادنا وأيدينا باستمرار¡ وكيف نختار بعناية ما نأكل وما نشرب¡ وأن نتخلص من كثير من العادات الغذائية التي لسنا في حاجة إليها في ظل هذه الظروف الطارئة.
علمنا "كورونا" كم هو جميل صوت الأذان الذي تصدح به المساجد خمس مرات يوميًا¡ ويذكرنا بالصلاة جماعة¡ يحفزنا على الذكر والعبادة في زمن الحياة المادية.. الله كم نحن مشتاقون لزيارة المسجد والصلاة مع الجيران والسلام عليهم ومعرفة أخبارهم وأحوالهم.. ما أجمل أن نرى أفواج المصلين وهي تتجه لصلاة الجمعة زرافات ووحدانا تريد اللحاق بصلاة الجمعة... نعم لقد افتقدنا هذه اللحظات الروحانية الجميلة¡ التي كانت شيئًا معتادًا في حياتنا اليومية¡ ولم نشعر بروحانيتها وجمالها إلا بعد أن أجبرتنا ظروف "كورونا" على التوقف عنها.. نسأل الله ألا يطول انتظارها.
علمنا "كورونا" كيف أن التنسيق والتعاون بين الجميع أفرادًا وهيئات ومؤسسات وقطاعات حكومية وخاصة يحقق أعظم الأهداف في محاربة عدو واحد لا يفرق بين صغير أو كبير غني أو فقير.
علمنا "كورونا" أهمية الصحة وأنها لا تقدر بثمن¡ وأن العاملين في جميع المنشآت الصحية هم أبناؤنا وإخواننا وأخواتنا¡ نذروا أنفسهم لخدمتنا.. إنهم خط المواجهة الأول¡ يقفون في الصفوف الأمامية لحمايتنا من هذا الفيروس الخطير¡ وهم على ثغر من الثغور يسهرون ويبذلون كثيرًا من وقتهم وجهدهم وراحتهم¡ فتحية لهم على ما يقومون به في هذه الأوقات الصعبة¡ وشكرًا لهم من الأعماق على هذه التضحيات التي نقدرها جميعًا.
أخيرًا¡ نعم¡ أنا فخور بأنني أحد أبناء هذا الوطن الذي يحرص على أبنائه.
سلمت يا وطني من الأسقام والأمراض¡ وتحية لك مليئة بالدعاء أن يحفظ الله هذا الوطن¡ ويحفظ قادته. لك يا وطني عاطر الحب وعظيم التقدير... ودمت في القمة.




http://www.alriyadh.com/1812276]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]