من رحمة الله تعالى أن جعل الصوم الواجب شهراً واحداً في السنة¡ ثم شرع لعباده صوم التطوع¡ ونوافل العبادات إنما شرعت لتَتْمِيم ما نَقَصَ مِن الفرائض..
مضى شهر رمضان المبارك¡ ونرجو أن يكون الله قد تفضل علينا بمِنَحِه العظيمة التي يتكرم بها على عباده في ذاك الشهر المبارك¡ ومن رحمة الله تعالى بنا أن جعل الزمن كله فرصة لنا للتقرب إليه¡ بحيث ينال فيه المتعبد مبتغاه من مزيد الاجتهاد¡ وينشط فيه المتكاسل¡ ويصحو فيه المفرّطُ من غفوةِ التفريط¡ قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)¡ وما دام الأمر كذلك فعلى المسلم أن يُشمِّرَ بعد رمضان لديمومة الأعمال الصالحة التي عملها فيه¡ فبهذا يكون قد استوعب الدرس النافع من مدرسة رمضان العظيمةº إذ الحكمة من الصوم ليست مجرد طيِّ الأمعاء على المسْغَبَةِ¡ بل تزكيةُ النفس والسموُّ بها¡ فمن ظهر عليه أثر ذلك فيما بعد استكمال الصيام الواجب¡ فليحمد ربَّه على التوفيق¡ ومن تقاعدت نفسه عن ذلك فليحملها عليهº فإن النفس إذا حمِّلت الأمرَ ووطِّنت عليه تحملته وألفته¡ وإن أهملت وخُلِّيت وهواها ألِفَتِ الدعةَ والاسترخاءَ¡ ومن صور استدامة العمل بعد رمضان ما يأتي:
أولاً: تلاوة ما أمكن من القرآن الكريم¡ وتلاوة القرآن من أكثر الأعمال الصالحة أجراً¡ وأهنئها ثمرةً¡ ولرمضان فيها خصوصيةº إذ هو شهر القرآن (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)¡ وَكَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري¡ فمن وفقه الله لإحياء سنة العناية بالقرآن الكريم في رمضان فليستدم عمله هذا بالمواظبة على قراءة ما تيسر منه بعد ذلك¡ وذلك يختلف باختلاف الناس¡ والمهم أن لا ينقطع عن القراءة بالمرّةِ¡ وبأي شيء تعاهد المسلم كتاب ربه فهو خير كثير¡ والأفضل أن يكون له فيه ورد يومي يأخذ نفسه بالالتزام بهº فإن الاستمرار على العمل الصالح له فضل عظيم¡ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها¡ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ¿ قَالَ: «أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ»¡ أخرجه مسلم.
ثانياً: صوم التطوُّع¡ فمن رحمة الله تعالى أن جعل الصوم الواجب شهراً واحداً في السنة¡ ثم شرع لعباده صوم التطوع¡ ونوافل العبادات إنما شرعت لتَتْمِيم ما نَقَصَ مِن الفرائض¡ والصائم قد يقع في غفلة ولغو فيشاب صومه بشائبةٍ تنقص أجره¡ وهذا قد يحصل لأهل التصوُّن والاحتياط¡ فما بالكم بالمقتصد فمن دونه¿¡ فيحتاج الصائم إلى نافلة تسدُّ الخلل الواقعَ في صومه¡ وأهم صوم التطوع ما ورد الترغيب فيه بخصوصه¡ ومن ذلك صيام ستة أيام من شوال¡ فقد ورد الترغيب فيه في حديث أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ¡ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) أخرجه مسلم¡ ومن عليه قضاء أيام من رمضان فالأفضل أن يقضيها¡ ثم يصوم الستَّ من شوال.
ثالثاً: صيانة اللسان والجوارح عن المعاصي والمهاتراتº فالمفترض أن الصائم قد دأب خلال صومه على الكف عن فضول الكلام من غيبة ولغو وقول زور¡ وكفَّ عما لا يسوغُ من الأعمال الطالحة¡ فإن الكف عن مساوئ الأقوال والأعمال¡ من لبِّ الصيام وروحه¡ وذلك مما يتحقق به كون الصوم جُنَّةً¡ كما يدل عليه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ¡ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ¡ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) أخرجه البخاري¡ وعَنْه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ¡ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ¡ قَالَ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ¡ وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ) متفق عليه¡ فالصوم جُنَّةٌ أي يُستتر به من النار¡ ومن المعاصي¡ فمن ظفر بهذه الجُنة المهمة من خلال صيامه شهرَ رمضان فليستدم ذلك¡ وليتحاشَ الزور والعمل به¡ وليترفع عن مساوئ الأخلاق والأعمال والأقوال¡ وليوطن نفسه على الحلم والصبر وتحمُّلِ المكارِه.
رابعًا: بذل المعروف¡ وهو من وظائف شهر رمضان المبارك¡ وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ¡ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ)¡ فمن وفق لاتباع هذه السنة في رمضان فلا ينبغي أن يتخلى عنها بعده¡ بل اللائق استصحابها حسب الإمكان¡ وبذل المعروف له صور متعددة أغلبها ميسور¡ ومنها تبسمك في وجه أخيك.




http://www.alriyadh.com/1823329]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]