يتباهى كثير من الأشخاص في وسائل التواصل بوضع ألقاب من نوع: «ناقد» أو «ناقد أدبي» في مساحات التعريف الخاصة بهم¡ وعند التأمل تجد أن الواحد منهم لم يسبق له أن كتب نقداً جاداً عن قصيدة واحدة فضلاً عن تناول تجربة أحد المبدعين بالنقد أو الكتابة عن ظاهرة من الظواهر الشعرية الجديرة بالكتابة عنها¡ وكل ما يملكه أحدهم مجرد تغريدات مليئة بالاستهزاء من شاعر ما أو من أبياته أو بالكلام السطحي الذي يمكن أن يوصف بأي وصف غير وصفه بالنقد. وما يقال عن مجال نقد الشعر ينطبق على كثير من المجالات¡ إذ يمكن أن تقابل شخصاً يصف نفسه بالناقد الفني ويهاجم المسلسلات الرمضانية جملةً وتفصيلاً وهو لم يشاهد إلا عملاً واحداً¡ أو حلقاتٍ قليلة منه¡ من بين عشرات الأعمال التي تُعرض عبر مئات القنوات التلفزيونية.
ومن المألوف أن تقرأ سطوراً لأحد النقاد المزعومين كُتبت بلغة إنشائية واثقة¡ عن «انتهاء زمن الشعر الجيد» وعن «انقراض الشعراء الفحول»¡ وهو لم يبذل أدنى جهد في المتابعة والبحث¡ مع أن عملية المتابعة والبحث عن شعراء مميزين عملية متاحة لكل من يمتلك الرغبة والقدرة¡ ولا يمكن أن يمر عام من الأعوام إلا ويبرز فيه عدد من المواهب الشعرية سواء في الشعر الشعبي أو في الشعر الفصيح. وفي مقابل الفئة التي تُعنى بالألقاب أكثر من العناية بالعمل يبذل بعض المهتمين بالشعر جهوداً رائعة في قراءة تجارب الشعراء والتعريف بها وتسليط الضوء على نقاط الجمال والقوة فيها دون التفات لمسألة الألقاب¡ والشاعر والإعلامي القدير ناصر المجماج¡ على سبيل المثال¡ أحد النماذج المشرقة للناقد الحقيقي الذي تجلّت براعته النقدية ابتداءً في حسن اختيار ومحاورة ضيوفه أثناء تقديم برنامج (عمالقة الشعر) الذي استضاف فيه شعراء كبار من بينهم رشيد الزلامي ومحمد الخس وعبد الله بن عون وعيد بن مربح وصحن بن قويعان وعبد الرحمن العطاوي¡ ويستمر إلى اليوم عبر وسائل التواصل المتنوعة في تقديم مادة أدبية ونقدية ممتعة تساهم في تعميق معرفتنا بتجارب شعراء مشهورين وتعريفنا على تجارب شعراء مغمورين أبدعوا بعيداً عن ضوء الإعلام¡ إضافة إلى قضايا الشعر والأدب الشعبي التي يدل عرضه الشيق لها على سعة الاطلاع والبحث الجاد والوعي النقدي الذي يمكنه من انتقاء الأفضل ومناقشة تلك القضايا بعمق وموضوعية.
بقي أن أقول: إن حرص المرء على حشد الألقاب إلى جانب اسمه لا يمكن أن يضيف له¡ ولا إلى الآخرين¡ شيئاً ذا قيمة¡ في حين أن الاجتهاد في البحث والقراءة والعمل على تطوير الذات هي الأشياء التي تضمن كسب إعجاب الآخرين واستحقاق اللقب المنشود.




http://www.alriyadh.com/1824324]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]