تحديد عدد الحجاج نال تأييد وقبول العلماء أهل الاختصاص الشرعي¡ وقولهم هو المعتبر في المسائل والنوازل التي لم تُعهد لها نظائر¡ ولا شك أن آثار هذه الجائحة من النوازل¡ وتكييف أحكامها الشرعية طبقاً لأقوال أهل الاختصاصات الصحية من وظائف الفقهاء..
تقع على عاتق المملكة مسؤولية جسيمة في تنظيم موسم الحج¡ وضمان سلامة وأمن الحجاج¡ وتوفير الوسائل الكفيلة بأدائهم للمناسك¡ وقد قامت المملكة بهذه المسؤولية قياماً بديعاً¡ وحققت فيه إنجازاً عظيماً شهدت به الألسنة عبر العقود الماضية وما زالت تشهد به رغم أنوف الحاقدين¡ وقد جاء موسم هذا العام في ظرفٍ استثنائيٍ بكل المعاييرº لما يشهده العالم من إجراءات وقيود احترازية فريدة من نوعها مُكَافَحَةً لجائحة كورونا¡ وقد وفق الله تعالى المملكة لاتخاذ القرار المناسب لهذه المرحلة¡ فقررت إقامة موسم الحج بعددٍ محدودٍ لمن هم في داخل المملكة¡ ولي مع هذا القرار المبارك وقفات:
الوقفة الأولى: أن هذا القرار اتخذ بعد دراسةٍ متواصلةٍ وتقييمٍ مستمرٍ للأوضاع المتعلقة بهذه الجائحة¡ والجهات المختصة التي تمخّض هذا القرار عن تشاورها مشهودٌ لها بالكفاءة كُلٌّ في مجاله¡ فوزارة الحج في المملكة لا تُضاهى في الخبرة فيما يتعلق بالتنظيم وإدارة الحشود¡ فهي مرجعيةٌ معتمدةٌ في هذا الصدد¡ ووزارة الصحة في المملكة أثبتت جدارتها في مواجهة هذا الوباء¡ ويجب الإصغاء لنصائحها خصوصاً إذا تعلّقت بدرء الوباء عن ملايين الحجاج¡ والأخذ بنصائح أصحاب الخبرات في مجالات خبراتهم مُتقرِّرٌ شرعاًº ولهذا يُبنى الحكم الشرعي في بعض القضايا إلى شهادة الخبراء كما في مسائل القصاص في الجراح ونحوها¡ وفي الأخذ بالرخص الشرعية يُحالُ على الطبيب الحاذق¡ ويُبنى الحكم الشرعي على ما يقوله كما في رخصة الإفطار بالمرض.
الوقفة الثانية: العدد المحدود الذي يُقامُ به الموسم يتأدّى به فرض الكفاية المتمثل في إقامة موسم الحج كل سنة¡ ويسقط به الحرج¡ وقد دل الكتاب والسنة على أن الفعل المكلف به إذا لم يستطع المكلف الإتيان به على الوجه الأكمل¡ فالمطلوب منه الإتيان بما استطاع منه¡ قال الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)¡ وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه¡ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ¡ قَالَ: (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) متفق عليه¡ ولا شك أن هذه الجائحة قد جَلَبَتْ من الضيق والحرج ما عُهِدَ من الشرع اعتباره في التوسعة بناء على قاعدة: "المشقة تقتضي التيسير" خصوصاً أن الأمر يتعلق بحفظ الأرواح¡ والمحافظةُ على الأرواحِ من الضرورياتِº ولهذا كان الخوفُ على النفسِ من أسبابِ الترخيصِ في الشريعةِ¡ فتباح المحظوراتُ للمضطرِّ إليها بحيثُ يخاف الهلاكَ إن لم يتعاطها¡ ويُرخّصُ في ترك العباداتِ لمن خاف الهلاكَ بفعلِها.
الوقفة الثالثة: هذا القرار الصادر بتحديد عدد الحجاج نال تأييد وقبول العلماء أهل الاختصاص الشرعي¡ وقولهم هو المعتبر في المسائل النوازل التي لم تُعهد لها نظائر¡ ولا شك أن آثار هذه الجائحة من النوازل¡ وتكييف أحكامها الشرعية طبقاً لأقوال أهل الاختصاصات الصحية من وظائف الفقهاء¡ وليس للعامي أن يُدلي برأيه في هذا¡ وهو مكفيٌّ هذا¡ فليُقبل على شؤونه¡ ولْيَتْرُك تحقيق المنوط الشرعي في الفروع لمن لهم الأهلية في ذلك¡ واعتراض العاميّ المتحمس المدفوع بالعاطفة على أقوال العلماء واجتهاداتهم في النوازل من فتن العصر التي تضرّر بها العباد والبلاد¡ وتولّت كِبرَ تأجيجها الجماعات المتطرفةُ والإرهابية¡ وتقتضي مصلحة الناس في دينهم ومعاشهم أن يُتصدّى لهذه الظاهرة الخطيرة¡ ومع افتراض أن ممن يعترض على اجتهادات العلماء من هو حسن النية مُحبٌّ للخير¡ فحبُّ الخير والحرص على العبادات لا يكفي لمعرفة الحكم الشرعي¡ ويبقى العالم بالشريعة مصدر الإخبار بحكم الله في المسائلº ولهذا أمر الله من لا يعلم بسؤال العالم قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
الوقفة الرابعة: كالعادة لم يُوفّق أعداء المملكة وحسادها في التعاطي الصحيح مع الموضوع¡ فقد أزلقهم عدم الإنصاف وأعماهم الهوى¡ فصدرت من بعضهم انتقادات لهذا القرار¡ وقد أظهروا بذلك ضحالة تفكيرهم¡ وقصورهم في تصور الأشياء¡ وكأنهم لا يرون أوضاع العالم المتمثلة في إغلاق كثير من الحدود بين الدول¡ وتعليق أغلب الرحلات الدولية¡ وتشديد الإجراءات في كثير من المجالات¡ وكأنهم لا يعرفون أن تنظيم موسم الحج له استعدادات وإجراءات لم تسمح الأوضاع العالمية للدول باتخاذها¡ فحتى لو فتحت المملكة العربية السعودية الباب على مصراعيه لقدوم الحجاج فأغلب الناس لا يمكنهم ذلكº لأن الإجراءات في بلدانهم لن تسمح¡ فيا عجباً!! في أي كوكب يعيش هؤلاء المنتقدون¿¡ وهل أقدموا على التضحية بعقولهم وتفكيرهم مقابل انتقاد قرار المملكة¿ لقد أثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك أنهم ينتقدون لمجردِّ التّشهي¡ وأنهم لا تعنيهم مصلحة الإسلام والمسلمين¡ والله حسيبهم¡ ولا يضرون إلا أنفسهم.




http://www.alriyadh.com/1829530]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]