صدرت للمرة الأولى مراسلات ألبرت إنشتاين وسيغموند فرويد باللغة العربية¡ في كتيب صغير من ستين صفحة¡ ترجمة جهاد الشبيني وتقديم وتحرير د. نادر كاظم¡ إصدار دار الرافدين ومنشورات تكوين.
الكتيب ذو أهمية عظيمة كونه يجعلنا نرى بوضوح الأبعاد الخيِّرة والإنسانية لشخصيتين مهمتين في تاريخ البشرية¡ هما عالم فيزياء وطبيب نفسي.
الأول (إنشتاين) رجل طيب ويريد الخير للإنسان كما وصفه الثاني¡ وهذا الأخير يملك الأجوبة القاسية¡ صعبة التنفيذ...
بدأت حكاية هذه المراسلات حين كلفت عصبة الأمم والمعهد الدول للتعاون الفكر في باريس 1932 عالم الفيزياء ألبرت إنشتاين بإدارة نقاش حول أي موضوع يختاره¡ مع الشخص المناسب لذلك¡ فاختار عالم النفس المشهور سيغموند فرويد وناقش معه مشكلة الحرب وأسبابها وكيفية الخلاص من تهديداتها.
فهم فرويد مباشرة أن إنشتاين لم يفتح معه النقاش بصفته عالم فيزياء بل بصفته محبًّا للخير. عارفا بذكائه الحاد أن العنف جزء من طبيعة الإنسان.
كان فرويد قد بلغ السادسة والسبعين من عمره¡ أي قبل سبع سنوات من وفاته¡ لهذا كتب له أنه لو تلقى تلك الرسالة أبكر من ذلك العمر لأجابه بطريقة أكثر لطفا¡ ولكن التقدم في السن جعله أكثر صراحة وقسوة في أجوبته¡ فوضعه أمام حقيقة عارية من أي تزييف¡ وهي أن الحرب مرتبطة بالعلاقة بين الحق والقوة (العنف) إذ "تُسَوّى صراعات المصالح بين البشر عن طرق العنف¡ وهذا أمر ثابت في مملكة الحيوان¡ التي لا يمكن للبشر أن يُستَثنوا أنفسهم منها¡ كانت القوة العضلية الفائقة هي التي تحدد من يمتلك الأشياء ومن تنتصر إرادته¡ وسط مجموعة صغيرة من البشر¡ وسرعان ما أصبح هناك مكمِّل للقوة العضلية واستبدل بها باستخدام الأسلحة¡ وأصبح الفائز من يمتلك الأسلحة الأفضل"
يقودنا هذا التفسير البسيط لمشكلة الحرب إلى حلبة الأفكار التي أصبحت حلبة الصراع الحديثة¡ وأصبح التفوُّق الفكري يحل محل القوة العضلية الفائقة. علينا أن نضع هذه العبارة في برواز من ذهب ونعلقها أمام أعيننا اليوم لأنها القاعدة التي غابت عنّا منذ نبّه إليها فرويد في قراءته. فهي القاعدة التي قلبت موازين القوة في العالم¡ وصنعت أقطابها التي نعيش تحت رحمتها دون أن نتمكن حتى من اختيار الحياد لتفادي الحروب المفروضة علينا.
في الكتاب يقودنا د. كاظم إلى شخصية سيمون سمونيني في رواية "مقبرة براغ" لإمبرتو إيكو¡ حين التقى راشكوفسكي رجل المخابرات الروسية القيصرية لوضع وثيقة من أجل الهيمنة على العالم¡ فيسأله لماذا أبتكر عدوا يهوديا¿ فيجيبه :" يجب أن يكون هناك عدو لنعطي إلى الشعب أملا"¡ هذه الرواية القوية في كل معطياتها¡ ليست بعيدة عن تفسيرات فرويد لصورة العدو الذي يوحد الجماعة¡ ويدفعها للقتال من أجل البقاء. أمّا قمة الخطورة فهي حين نختار عدوا من أنفسنا.




http://www.alriyadh.com/1829852]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]