عرفته قبل أن يتولى رئاسة التحرير بقليل¡ ولم تمض إلا عدة أشهر بعد أن تولى رئاسة التحرير حتى أصيب بمرضه الذي عانى منه إلى أن توفي. كانت روحه الإيجابية تبعث في نفسك الأمل¡ ولطالما تبادر إلى ذهني شطر الطغرائي: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. كلما اتصلت به تلك الأيام¡ حكوا لي عن تطلعاته بمرح وحيوية جذابة¡ حيث يثني كثيراً على الجريدة¡ ويحكي عن القيادات التي تزخر بها باعتزاز. وهذا ملمح مهم تميز به –رحمه الله– في شخصيته القيادية¡ فهو يؤمن بقدرات زملائه ويثمن إنجازاتهم.
كنت أسمع دائماً عن فهد العبدالكريم من حديث محبيه¡ قبل أن ألتقيه. وحين التقيته شعرت أن سر الرجل في قدرته على كسب الآخرين¡ فلعله من القلائل الذين يجبرونك على الحديث عنهم مهما كان لقاؤك بهم عابراً. وحين يتولى القيادة من لديهم هذه القدرة¡ فإنهم يكسبون العاملين في المؤسسة والعاملين معها من خارجها. فمع أهمية التمكن من الجانب الفني في قيادة المؤسسة¡ والصحافة عمل فني بامتياز¡ إلا أن الجانب الدبلوماسي في شخصية القائد ذو أثر عميق في قدرتها على تحقيق مصالحها الخارجية. فقد كانت شخصية أبي يزيد ميالة إلى العمل الجماعي¡ وتمكين زملائه من تحقيق الإنجازات باسم الفريق الواحد.
تولى أبو يزيد رئاسة التحرير في وقت يتحدث البعض فيه عن زمن الصحافة وكما لو أنه يوشك على الأفول¡ وهو حديث دعا إليه بروز وسائل جديدة للاتصال جعلت كثيراً من الأخبار الصحفية التي كان يؤتى بها من أقصى مكان في العالم تصل إلى الجميع لحظة حدوثها عبر منصات متنوعة. بل أصبح من الصعب اليوم أن تعزل نفسك عن أخبار العالم¡ حيث كان من السهل عليك أن تعزل نفسك عن العالم بمجرد أن تكف عن مطالعة الصحف والاستماع إلى الإذاعة والتلفزيون. كان يسألني أبو يزيد عن رأيي في كل ذلك¡ وعن دور التقنية في النهضة بالصحافة¡ حيث كانت رؤيته أن ما يبدو تحولاً عن الصحافة إنما هو فرصة لتحول جديد إلى صحافة جديدة. ولا شك أن التحول الذي تنشده الصحافة لن يحدث في يوم وليلة¡ إنما سيأخذ وقتاً طويلاً تعاد فيه تعريف المهارات التي تحتاجها الصحافة الجديدة¡ ووسائل النشر المختلفة التي يمكن تبنيها أو ابتكارها.
بوفاته رحمه الله¡ ترك أبو يزيد رئاسة التحرير بعد أن أعطاها خلاصة خبرته في النهضة بالصحافة الجديدة¡ إلا أن مرضه الذي عانى منه طويلاً حال دون أن يقدم كل ما عنده. كان يؤمن أن لا مجال لتطور الصحافة ما لم تبتكر استخدامات جديدة للتقنية¡ حيث إن الصحافة أعمق من وسائلها. عزائي لأسرة التحرير الذين عاشوا مع أبي يزيد لحظات خاصة وقصص تستحق أن تروى لقائد متميز وإنسان رائع¡ رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.




http://www.alriyadh.com/1831113]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]