مع مطلع عام 2020 تعرض العالم لهجمة صحية مفاجئة اسمها كورونا تحول مع الوقت إلى وباء ثم إلى جائحة. مصطلحات تعرفها منظمة الصحة العالمية ولها معاييرها في تقدير حجم الخطر وإطلاق المسميات.
هذه الهجمة الصحية تفاقمت فتحولت إلى أزمة اجتماعية واقتصادية على مستوى العالم. كان وباء كورونا سريع الانتشار مما أدى إلى اتخاذ قرارات صعبة تمثلت في منع التجول¡ ومنع التجمعات الدينية والتعليمية والاجتماعية والعملية¡ توقفت الدراسة والأنشطة الرياضية والحياة العملية¡ وكانت التقنية بديلاً لاستمرار الحياة والتعليم والخدمات. الشيء الوحيد الذي لم يتوقف هو الرعاية الصحية للمصابين بالمرض¡ والعمل الأمني لضمان تطبيق الإجراءات الاحترازية التي تحد من انتشار المرض¡ وكانت النصيحة الأهم والإجراء الوقائي الأقوى على مستوى العالم هو (خليك بالبيت).
البقاء في البيت ساهم في الوقاية من الوباء¡ وحقق فوائد إضافية منها التقارب العائلي¡ والأكل من مطبخ البيت¡ وترشيد الإنفاق¡ وممارسة الرياضة والألعاب¡ وتخفيف الوزن ممن يعاني من السمنة¡ ومراجعة الأولويات¡ والتعرف على أفراد العائلة واكتشاف مواهبهم وقدراتهم وثقافتهم وتعزيزها.
في فائدة اكتشاف المواهب والقدرات قررت إحدى العائلات استثمار الوقت في مجالات معرفية وفكرية وتدريبية ففتحت المجال لأفراد العائلة لتقديم موضوع معين أو معلومة جديدة أو مهارات يستفيد منها أفراد العائلة من خلال تخصيص يومين في الأسبوع لهذا الغرض. المشاركة اختيارية¡ ولعضو العائلة اختيار الموضوع المناسب. كانت الفكرة ناجحة ومفيدة لمن يقدم الموضوع بتنمية مهاراته في التقديم والتواصل¡ ومفيدة لبقية أفراد العائلة من حيث الإضافة المعرفية¡ وتنمية مهارة الحوار الموضوعي.
وحيث إن وباء كورونا هو المسيطر على الحوار العائلي اليومي أثناء الحجر المنزلي فقد قررت العائلة في التجربة المشار إليها الابتعاد عن الأحاديث المتعلقة بوباء كورونا وما يرتبط به من قلق. كان الابتعاد عن القلق أحد فوائد تلك التجربة.
هذا النوع من النشاط يوجد في بعض المدارس والجامعات وهو نشاط تدريبي يحقق الفائدة للمتحدث وللمتلقي. نشاط يتضمن اكتساب معارف جديدة¡ وتنمية مهارة التحدث التي يحتاجها الإنسان في حياته الخاصة وحياته العملية¡ والتعود على المناقشة الموضوعية التي أصبحت نادرة في عصر يتسم بالتطور العلمي والتقني ويعاني من التحزب والتعصب الفكري والحوار الانفعالي.
الجانب الآخر لآثار كورونا هو الجانب السلبي صحياً واقتصادياً ونفسياً واجتماعياً. تلك الأنشطة التي أشرنا إليها في الحجر المنزلي هي للتخفيف من أضرار كورونا النفسية على حياة الناس. المنتظر من الجامعات ومراكز الأبحاث إعداد دراسات حول هذا الموضوع. قد تكون الأضرار الاقتصادية واضحة¡ أما الأضرار النفسية والاجتماعية فهي موجودة لكنها لا تظهر بنفس الوضوح. ليس مفاجئاً أن وباء كورونا ينتج عنه أضراراً أسرية ونفسية ولهذا بادرت بعض مراكز الإرشاد الأسري في المملكة بتقديم برامج تطوعية للتخفيف من تلك الأضرار ومساعدة الأسر في التكيف مع تبعات الوباء. لا شك أن التقنية وضعت العالم في يد الإنسان وساهمت في التواصل والتخفيف من حدة التباعد الإنساني ولكنها بالتأكيد لا تغني عن التواصل الإنساني المباشر.
الحياة في الحجر المنزلي هي بلا شك ضرورية وفعل تضامني للحماية من الوباء ومنع انتشاره¡ بعض الأسر لا تساعدهم ظروفهم على تحمل هذا الحجر ولهذا وجد التكافل الاجتماعي¡ كما وضعت الدولة برنامجاً مرناً للحجر يتكيف مع حالة الوباء¡ ووفرت الدعم الإنساني والطبي والتقني والخدمات المختلفة للجميع في تجربة متميزة في التعامل مع مكافحة الوباء وحماية المجتمع. التجربة تضمنت مشاركة تستحق التقدير من المتطوعين والجمعيات الأهلية ومراكز الإرشاد الأسري¡ وكذلك من القطاعات المختلفة من خلال المسؤولية الاجتماعية¡ وإن كنا ننتظر من الأخيرة مشاركة أكبر والالتفات إلى أسر ذات أحوال صعبة تعاني منها في الظروف الطبيعية فكيف تكون معاناتها في ظل ضغوط ومخاطر جائحة كورونا.




http://www.alriyadh.com/1831115]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]