منذ عقود طويلة¡ والمملكة تحرص على سن ما يلزم من التشريعات والأنظمة الجديدة¡ التي تنظم بها حياة المواطنين والمنشآت والقطاعات المختلفة¡ تعزز بها العدل وترسخ مبدأ المساواة بين الجميع¡ ولا تتردد البلاد في تعديل بعض هذه التشريعات أو إلغائها¡ إذا رأت ضرورة حتمية لذلك¡ وهو ما يحدث من فترة لأخرى.**
ولعل آخر صور اهتمام الدولة بالتشريعات والأنظمة¡ قيام وزارة العدل بإصدار نظام "توثيق" الذي يعزز الأمن العقاري¡ ويرفع كفاءة التوثيق العدلي وموثوقية الوثائق الصادرة من المخول لهم بإجراء عملية التوثيق¡ سواء كانوا كتّاب عدل أو موثقين مرخصين أو مأذونين¡ وسيشتمل النظام الجديد على الشروط اللازم توفرها فيهم¡ ليس هذا فحسب¡ وإنما يحدد اختصاصاتهم وإجراءات عملهم ومراقبة مخرجاتهم وعقوبات المخالفين منهم.
وأتوقع أن يحظى القطاع العقاري دون سواه من بقية القطاعات الأخرى¡ بالكثير من إيجابيات هذا النظام وخدماته الجليلة¡ فهذا القطاع يحظى بدعم الدولة واهتمامها الاستثنائي¡ من أجل تعزيز أركانه وترسيخ إجراءاته التنظيمية والإدارية¡ والوصول به إلى أعلى مراتب الموثوقية في جميع عملياته¡ باعتباره أحد أبرز الأوعية الاستثمارية التي تحظى بثقة كبار المستثمرين وصغارهم في المملكة وخارجها.
لا أخفي تفاؤلي بثمار نظام "توثيق"¡ وما سيسفر عنه من نتائج مفيدة¡ توفر الوقت والجهد معاً¡ فضلاً عن ثماره اليانعة على المستويات كافة¡ فهذا النظام سيعزز جانب "العدالة الوقائية"¡ وهو توجه مهم¡ لطالما سعت وزارة العدل إلى ترسيخه في دوائرها وفي خدماتها¡ إيماناً منها بأن هذا الأمر كفيل بتقليل المنازعات بين الأشخاص والمؤسسات¡ والحد من تدفق الدعاوى القضائية¡ ورفع كفاءة العقود والإقرارات¡ كما أنه يعزز من سرعة إعادة الحق عبر قضاء التنفيذ دون الحاجة لإقامة دعاوى أمام القضاء قد تستغرق سنوات طويلة.
أقول وأكرر ما ذكره غيري¡ بأن نظام "توثيق" لم يُوضع بشكل عشوائي أو ارتجالي¡ وإنما وفق دراسات وبحث ميداني مستفيض¡ يؤكد الحاجة إلى خدماته¡ ومن يدقق النظر في آليات النظام¡ يجد أنه سيعالج الكثير من السلبيات التي فرضت نفسها أثناء تعامل المراجعين في دوائر القضاء¡ خاصة إذا عرفنا أن نظام التوثيق نقل بعض الاختصاصات الجديدة من المحاكم إلى كتابات العدل¡ مثل توثيق الزواج والطلاق وتوثيق اتفاق ذوي الشأن على الحضانة أو النفقة أو الزيارة والصلح وغير ذلك¡ مما يسهم في عدم إشغال القضاء بمهام ليس فيها عنصر المنازعة¡ حيث إن مهمة المحاكم هي الفصل في المنازعات حسب النظام الأساسي للحكم.
ولا أبالغ إذا أكدت أن إصدار التشريعات والأنظمة الجديدة¡ لن يتوقف على نظام التوثيق¡ وإنما سيتواصل¡ طالما أثبت الواقع الحاجة إليها¡ فالدولة ومن منطلق رؤية أهداف رؤية 2030 مقبلة على تطوير الكثير من التشريعات القديمة أو على الأقل تعديلها¡ في مواكبة واقعية لتطورات العصر واحتياجه¡ فما كان معمولاً به في الأمس¡ قد لا ينفع تطبيقه اليوم¡ خاصة أن تطورات العصر متسارعة ومتلاحقة¡ ولا بد من مسايرتها وإلا تخلفنا عن الركب.




http://www.alriyadh.com/1831118]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]