تقول الأدبيات الاتصاليّة: إن الرأي العام ظل طيلة عقود طويلة مرتهنا بشكل رئيس لآليات التشكيل والتوجيه الرسمي وشبه الرسمي تحت أشراط الاتصال بصوره النمطيّة وحتميّة وسائل الإعلام التقليديّة التي (كانت) تمتلكها الدول (السلطة) وتشارك في إدارتها (نخبة) تدور في فلك الاتجاه العام للسياسة ومحدداتها¡ ولكن كل شيء تغير مع الثورة التقنيّة التي بدأت بظهور الحاسبات الشخصيّة في ثمانينات القرن العشرين ثم ثورة الإنترنت (في التسعينات) وما تلاها من تطورات مذهلة في تطبيقات التواصل الجماهيري إلكترونيا التي انتهت اليوم بظاهرة اتصاليّة فريدة مع انتشار الهواتف الذكيّة.
وتأسيسا على هذه التحولات ظهر مصطلح الرأي العام الرقمي Opinion**Digital.. الذي نشأ وتوسع وتشكلت اتجاهاته في بيئة اتصاليّة جديدة لا تملك (النخبة) ولا السلطة معها إلا المراقبة والترقب وبعض السير في ركابها ومسايرة تقلباتها¡ ولكن السلطة ليست وحدها من فقد السيطرة على الرأي العام في عصر جماهير الإعلام والتواصل الرقمي¡ بل وحتى مؤسسات المجتمع المسؤولة عن الضبط الاجتماعي ونقل الثقافة من جيل إلى جيل وصيانة الهويّة الوطنيّة.
والإشكال هنا لم يعد في فقدان النفوذ الوطني على الرأي العام الرقمي¡ بل في وضوح تنامي السيطرة عليه من خلال شركات تجاريّة عالميّة تملك المنصة (تويتر - فيسبوك - يوتيوب..) وتحدد شروط المحتوى بل وتستطيع وفق خوارزميات معقدة أن تتحكم فيما يظهر لمستخدميها من آراء ومعلومات. وهذا التحكم أصبح مدار نقاشات عميقة في الغرب جراء تأثير مثل هذا التحكم في تدفق المعلومات على تشكيل الآراء والاتجاهات في الانتخابات والقضايا التي يناقشها المجتمع في غالب الأحوال إلكترونيا.
ومما يثير القلق هنا أن معظم الشركات التي تقدم خدماتها إلكترونيا تحفظ وتستثمر وتشارك بيانات وخصوصيات مستخدميها بطرق ذكيّة غير ظاهرة¡ وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال أبدى 72 % من الأميركيين شعورهم بالقلق من أن كل أو معظم ما يقومون به من أنشطة عبر الإنترنت أو أثناء استخدام هواتفهم المحمولة يتم تعقبه بشكل أو بآخر.
ويكشف تقرير صادر عن معهد أكسفورد للإنترنت ازدياد التلاعب المنظم بمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي بأكثر من الضعف منذ العام 2017¡ ويكشف التقرير أن 70 دولة في العالم استخدمت الدعاية الرقميّة للتلاعب بالرأي العام¡ ومن بين هذه الدول 45 دولة ديمقراطيّة تلاعب فيها السياسيون والأحزاب السياسيّة بالرأي العام الرقمي لحشد الدعم لبرامجها ومرشحيها.
مسارات
*قال ومضى:
حينما يصبح الزيف رائجاً تتوارى الحقيقة في ضمير الشرفاء.




http://www.alriyadh.com/1831290]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]