يذكر الدكتور زكي مبارك في كتابه (الموازنة بين الشعراء) أن الناس فُطروا على "حب المفاضلة بين الوسائل التي ترمي إلى غرض واحد¡ والموازنة بين الأنواع التي ترجع إلى أصل واحد"¡ وأن تلك الفطرة الإنسانية تتجلّى بصورة أكبر في حب الناس للمفاضلة بين الشعراء. ويتبين لنا باستمرار صحة هذا القول وأن حب المتلقين للمفاضلة بين الشعراء سواء في الشعر الفصيح أو العامي¡ ورغبتهم في وضع الشاعر المفضل في القمة¡ أو في مكانة أعلى من سائر الشعراء¡ هي ما يؤدي إلى نشوء كثير الخصومات والمعارك النقدية التي قد تكون لها ثمرة جيدة كصدور دراسة أو كتاب يوضح فيه الناقد نقاط التميز والتفوق في تجربة شاعره المفضل (وقليلاً ما يحدث هذا الأمر)¡ أو تكون الخصومة على "أي الشعراء أفضل¿" مجرد عبث يتكرر فيه الكلام الإنشائي الذي يصح أن يستعمله كل شخص لإثبات تفوق الشاعر الذي يعجبه.
وفي الأيام الماضية انتشر مقطع قصير من برنامج (الراحل) يعبّر فيه الشاعر المعروف ضيدان بن قضعان عن رأيه في تجربة المبدع سعد بن جدلان¡ ويقول في المقطع: "أسطورة لن تتكرر¡ مدرسة شعرية عظيمة¡ بمنظوري الشخصي ربما ينتقدني البعض¡ من المتنبي إلى شعر ابن جدلان.. ما طلع بعد المتنبي إلا سعد بن جدلان". وقد أغضب محتوى المقطع فئة من المغردين الذين تداولوه رغم أن ابن قضعان عبّر فيه عن رأي شخصي يجوز للجميع الاختلاف معه ونقده بعيداً عن الغضب والهجوم¡ إضافة إلى أن المقطع من برنامج يقوم على الاحتفاء بتجارب المبدعين الراحلين ومن المتوقع دائماً ألا يخلو من المبالغات ومن مثل هذه الأحكام العاطفية التي يحاول من خلالها المتحدثون التعبير عن مدى حبهم للمُحتفى به وتقديرهم لتجربته.
في مقابل الفئة الغاضبة هناك فئة أخرى من المغردين انتقدت بوعي مسألة ورود عبارات إنشائية وعاطفية كعبارة: "أسطورة لن تتكرر"¡ أو "مدرسة شعرية عظيمة"¡ فقد انتقد الدكتور سعود الصاعدي¡ على سبيل المثال¡ ثلاث مسائل في رأي ابن قضعان من بينها الإسراف في استخدام مفردة "أسطورة" في حياتنا¡ وقال: "وأما ثالثة الأثافي فأسطرة كل شيء حتى صرنا أكثر من اليونان في الأساطير"!
استخدام عبارات تبجيلية عند الحديث عن تجربة شاعر شعبي مبدع¡ أو نعته بألقاب تفخيمية تمهيداً لتفضيله والحكم بتفوقه أمر مألوف وشائع¡ وهو ناتج في الغالب عن عجز في القدرة على توضيح مواطن القوة والجمال في تلك التجربة¡ لذلك يلجأ المتحدث إلى عبارات وألقاب التفخيم¡ أو يقوم بإلقاء شيء من أبيات ذلك الشاعر على أمل أن يتمكن المستمع من إدراك ما في الأبيات من التميز والجمال وقوة التأثير.




http://www.alriyadh.com/1831814]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]