ما يميز المدن¡ هو أنها أشبه بالكائن الحي الذي يمتلك قدرة ومرونة عالية في التكيف مع ظروفه واستطاعته في الغالب من إعادة تكوين نفسه بعد كل كارثة يمر بها. في اعتقادي أن جائحة كورونا التي بدأت تستفيق منها كثير من مدن العالم - ومنها مدن المملكة - بعد أشهر من الصدمة القاسية من تفشي وباء كورونا¡ ما هي إلا مثال تاريخي آخر لهذه القدرة للمدن في المرونة والتكيف مع ما يستجد عليها من ظروف.
لقد أدت الجائحة بالفعل لكثير من المدن في القيام بإعادة ترتيب نفسها¡ وإجراء بعض التغييرات التي شرعت في البعض منها¡ من أجل أن توجد سمات أخرى تختلف عما كانت عليه قبل الجائحة¡ مدن تريد أن تتباهى بقدرتها على الصمود وتجاوز صدمة الجائحة¡ وتكوين المناعة لديها حيال أي مستجدات مستقبلية.
إن من بين أبرز هذه التغيرات التي أخذ البعض منها طريقه للتنفيذ¡ والبعض الآخر يتوقع أن يأتي دوره في مرحلة ما بعد الإفاقة من الجائحة هي ما يلي:
أولاً: تجدد الاهتمام بجوانب الصحة العامة التي من أهم مظاهرها عنصر الكثافة وبالذات السكنية التي يتعاون كل من المسؤولين عن الصحة العامة ومخططي المدن في ألا تكون عاملاً يساعد في تفشي الأوبئة والأمراض المعدية. رأينا ذلك في الخطوات التي جرت لمعالجة وحدات إسكان الأفراد من الأيدي العاملة الوافدة.
ثانياً: توظيف التصميم العمراني على نحو أشمل وأعمق في معالجة الفراغات العامة بالمدينة¡ وذلك من أجل تحقيق قدر أكبر من الوقاية الصحية للناس خاصة في الساحات والميادين ومسارات المشاة وأرصفة الشوارع.
ثالثاً: التراجع في أعداد محلات بيع التجزئة وتغير نمط الحياة على الشوارع التجارية حيث من المتوقع جراء زيادة وتيرة التسوق بكثافة عبر الإنترنت أن تبدأ محلات التجزئة في الاختفاء تدريجياً عدا بعض المقاهي والمطاعم وصالونات الحلاقة والتجميل ونحوها ممن تقدم الخدمات الشخصية.
رابعاً: التغير في بيئة العمل المكتبي بارتفاع نسبة من يعملون عن بعد وانعكاس ذلك على التراجع في الحاجة لمراكز العمل المكتبي الكبرى¡ وفي ذات الوقت نمو الطلب على الخدمات الموجهة للعاملين عن بعد على مستوى الأحياء السكنية من مقاهٍ ونحوها.
هذه التغيرات الجارية والمتوقعة حري أن يعرف مقدارها ومكان ونطاق انتشارها في مدننا لتكون البوصلة التي توجه استثمارات القطاع الخاص نحوها.




http://www.alriyadh.com/1832448]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]