العالم العربي بحاجة إلى اكتساب القوة وتحقيق السلام أكثر من أي وقت مضى¡ ولن يتحقق السلام إلا بالمزيد من التنسيق والتعاون وهو ما تقوم به المملكة بدبلوماسيتها النشطة¡ وفي هذا الوقت بالذات..
فتوحات عظيمة يهبها لنا العلم في كل ميادين الحياة¡ تقدم مذهل ومتسارع ليس له مثيل¡ أتذكر أول مرة سافرت فيها إلى أميركا في بداية السبعينات من القرن الماضي كانت وسيلة الاتصال الوحيدة هي الرسائل التي نرسلها بالبريد¡ وننتظر جوابها بعد حوالي ستة أسابيع¡ وحين أقارنها بما نعيشه اليوم من تقدم هائل في الاتصالات بشكل خاص¡ أزداد قناعة أنه لا حدود لنجاح الإنسان وبناء الأوطان¡ لكن ذكاء الإنسان ومكتشفاته لا تقتصر على البناء وخدمة الإنسانية¡ بل وتدميرها وتدمير البيئة أيضا¡ فقد نجحت مراكز الأبحاث والمصانع في إنتاج أسلحة وذخائر تفوق في تدميرها كل ما استخدمه الإنسان سابقاً¡ ناهيك عن أسلحة سرّية من بيولوجية وكيميائية ونووية مكدسة بملايين الأطنان في مستوعات الدول المصنعة¡ صراع مستمر بين الخير والشر منذ وجد الإنسان على هذه البسيطة.
التفكير والاختيار هما أعظم قوة نمتلكها¡ وهي التي تحدد اختياراتنا وتصرفاتنا¡ والتي بدورها تصنع مستقبلنا¡ والعلم والتكنولوجيا هما سلاح هذا العصر ومصدر قوته¡ ويمكن أن توجه إلى عالم إنساني أكثر نبلاً¡ وهذا بحاجة إلى جهود كبيرة يضطلع بها قادة العالم¡ فهم الأكثر تأثيراً وقدرة على إحلال السلام وتحقيق الازدهار ومكافحة الفقر والجريمة¡ العالم العربي بحاجة إلى أن ينظر للأمام وأن يختار الطرق التي تؤدي إلى مستقبل أفضل¡ لكن لا يوجد طرق مختصرة¡ بل دراسات علمية واستشارات من مختصين مخلصين¡ وتخطيط وبناء صعب وشاق¡ وتغييرات مستمرة وتطوير للخطط¡ لكن نتائج هذه الجهود تستحق كل ما يبذل من أجلها.
المملكة التي وضعت رؤيتها وتوجهت نحو التنمية المستدامة¡ وتحقيق الرخاء والازدهار والسلام ستكون أكبر مؤثر في المنطقة العربية والعالم الإسلامي¡ فالعالم العربي تأخر عن ركب التقدم كثيراً¡ وخاض الكثير من الانقلابات العسكرية والتجارب الفاشلة تحت مسميات رنانة كثيرة كالاشتراكية والبعث والقومية العربية والأحزاب الإسلاموية¡ والتي انتهت إلى ما نحن فيه اليوم من تكالب الأعداء واستباحة السيادة على الأوطان¡ والعالم العربي اليوم بأشد الحاجة إلى القدوة¡ وخصوصاً حين تكون من دولة كبيرة بحجم ومكانة المملكة.
نحن في عالم لا يعترف إلا بالقوة¡ والعالم العربي بحاجة إلى تغيير اتجاه بوصلته نحو العلم والتعاون واكتساب أهم مصادر القوة التي يجب أن نأخذ بها ومنها ما يأتي:
أولاً: العلم هو سلاح هذا العصر ويجب أن نعطيه الأولوية¡ وأن نستخدم كل مكونات ثقافة المجتمع للتشجيع على تحصيله¡ والدين من أهم مكونات ثقافة الشعوب¡ وديننا غني بالآيات والأحاديث التي تحث على العلم والتفكير وتقدير العمل والتعايش مع الآخر¡ من المهم أن نوجه تعليمنا ومنه المناهج الدينية نحو السلام والمحبة ونبذ الفرقة والبناء¡ وتعزيز الأخلاق كما في الحديث الشريف: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"¡ لقد مرّ على المملكة والعالم العربي قرابة الأربعين عاماً تم فيها التركيز على العبادات وأهملت المعاملات¡ وساد التشدد وحلّ التواكل محل التوكل والأخذ بالأسباب. واليوم نحن بحاجة إلى إعادة فهم مقاصد الدين بحيث ننشئ جيلاً منتجاً ولطيفاً وبميزات سامية من الشفقة واللطافة والنية الحسنة والأمانة والاستقامة وحب العمل وتقديسه¡ وفي وثيقة مكة المكرمة التي صدرت من رابطة العالم الإسلامي العام الماضي فكر مختلف¡ فكر يجمع ولا يفرق¡ وثيقة يجب أن تضمن في المناهج.
ثانياً: تلوح في الأفق علامات حرب باردة بين أميركا والصين¡ وقد تكون أشرس من الحرب الباردة التي كانت بين أميركا والاتحاد السوفييتي والتي قسمت العالم العربي إلى معسكرين يكره كل منهما الآخر¡ والحرب الباردة هذه المرة ستكون حرباً طويلة واقتصادية بالدرجة الأولى¡ وستحاول كل من أميركا والصين استمالة المزيد من الدول إلى معسكرها¡ لكن الرابح الحقيقي هو من يقف على الحياد ويقوي علاقته مع الجميع ليكسب المزيد من المزايا والاحترام. بل وأن يكون عامل تقريب وجهات النظر وأن تفاوض الدول العربية المؤثرة مجتمعة حتى يكون موقفها أقوى وحجتها أمضى.
العالم العربي بحاجة إلى اكتساب القوة وتحقيق السلام أكثر من أي وقت مضى¡ ولن يتحقق السلام إلا بالمزيد من التنسيق والتعاون وهو ما تقوم به المملكة بدبلوماسيتها النشطة¡ وفي هذا الوقت بالذات.




http://www.alriyadh.com/1834665]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]