«كامل الشناوي»¿!
«إنني لا أكره الموت¡ ولكن أكره أن أتولى بنفسي قتل نفسي¡ وأضع جثماني في نعش أحمله على كتفي وأمشي وراءه¡ فما أقسى أن أكون الميت والجنازة والخطوة والطريق. إن عاماً جديداً بدأ يدخل حياتي يا خجلي منه ماذا أقدم له¿!»
(ك/ الشناوي)

العمل الإبداعي لا يموت مع صاحبه جسداً¡ فهو الذي يكون ظله على الأرض بشكل أبدي حتى إنه يظهر في الظلام عبر ما سجله إبان حياته¡ فهو حي بحروفه وكلماتهº ولوحاته ورسومه¡ وألحانه وأغنياته ومنحوتاته¡ وبجميع ما كان من نتاجه الذي احتل مساحته طوال حياته¡ وكان يعمل من أجله جاهداً لكونه المعبر عنه وجودياً¡ وعند غيابه سيظل الوجود في الموجود من ثمار المجهود¡ فالشاعر (كامل الشناوي) عايشناه حياً وهو يمخر عباب البحر¡ ويدف في النهر الإبداعي عبر شعره ونثره مُحَملاً قاربه برفاقه ومحبيه من أهل الفكر والفنº بصفته راعياً ومكتشفاً ومتوسطاً ومراهناً على عدد من الفنانين يخدمهم ويخدمونه¡ حيث إنه نذر حياته للفن وأهل الفن والصحافة التي غالباً ما يجيّرها للمسائل التي تدور في حلقة الإبداع¡ وبيته هو بيت كل الفنانين¡ وليله ملك السهر والتأملº مستغلاً الساعات خشية مداهمة الموت الذي يقول إنه لا يخشاه¡ ولكن يخشى أن يفارق الحياة وفي نفسه شيء من الفن كان يأمل أن يحققه¡ منذ شبابه وحتى تقدمت به السنون¡ كان مع الفن والفنانين في تبادل محبه ليس لها مقاييس لديه سوى أنه قدم لهم ما يرى أن يناسب كل واحد على حدة في مربع يتسع للجميع.
استضافته في هذا الحوار (الافتراضي) لن تكون طويلة¡ فهو يريد أن يتأمل ويكتب¡ وربما يغني ضمن الكورس في سهرته المنزلية الشهيرة عند معاصريه من أصحابه في مهنته الصحافة العالقة والمتعلقة بالفن بالتواشج المستحب بينهما والمعلن عن حضورهما في الساحة الثقافية الواسعة¡ وكانت بداية الحوار:
الذي عرف عنك أنك شاعر أحببت الشعر من الصغر¡ وحفظت الكثير وكتبت القليل¡ ولكن الصحافة استولت عليك وقدمت لها الكثير¿

لم أتعلم الصحافة في معهد¡ ولكن تعلمتها بالتجربة¡ مكثت في هذه التجربة سنوات عديدة¡ دخلتها العام 1930 في العشرين من العمر¡ وكنت مولعاً بقراءة الأدب وخاصة الشعر¡ تساعدني ذاكرتي في حفظ الشعر القديم والحديث¡ ومن المعلومات ما يكفي أن أكون أديباً شاعراً وكاتباً صحفياً¡ فذهبت إلى جريدة «كوكب الشرق»¡ وقدمت أبياتاً من الشعر¡ ونشرت في مكان بارز¡ وعاودت الكرَّة ومعي قصيدة أخرى أرسلها رئيس التحرير فوراً للمطبعة مع تشجيعه لي بعبارات رقيقة¡ ثم قال: هل تحمل مؤهلات دراسية وكانت الإجابة: لا.
ومع ذلك سأل لماذا لا تلتحق بالعمل الصحفي¡ وكانت الموافقة وتخصيص مكتب¡ وعملت محرراً في مجال الثقافة شعراً ومقالات دون مقابل¡ فعملت مصححاً لغوياً بمرتب أربعة جنيهات¡ وفي مناسبة طُلب مني كتابة مقال أعجب المسؤول الذي نقلني إلى قسم التحرير والتحقيقات¡ واستمرت الترقيات (بتصرف من كتاب يوميات).

بالرغم من مدة ممارستك للصحافة بألوانها مختلفة المواضيع¡ وكتابة القصائد إلا أنها لم تتعد أن تكون محصورة في ديوان (لا تكذبي - وكتب - ساعات - اعترافات/أبو نواس) وما كتب عنك أكثر من نتاجك وأنت قادر أن تقدم كتباً أكثر¿

كنت أهتم بالثقافة والمثقفين والفنانين أكثر من اهتمامي بذاتي التي أراها في الأشياء التي أعملها من أجلهم فهم مني وأنا منهم¡ وأطلب من الأيام أن تتمهل لكي أتمكن من أن أقدم أكثر: «أيتها الأيام إنك لا تقطعين طريقاً¡ ولكن تقطعين عمري فاستريحي وأريحيني¡ فقد ظللنا نمشي مع بعض خمسين عاماً وثلاثة¡ ولكن كيف نتوقف عن المشي¿ إن معنى ذلك أن نموت وأنا متشبث بحياتي¡ وهي مهما ترهقني أحبها إننا نبكي منها¡ وإذا هددتنا بالتخلي عنا بكينا على أنفسنا فما أعجب العمر إنه الوحيد الذي إذا زاد نقص وفي كل يوم يزيد¡ وفي هذا اليوم ينقص عمري¡ لعلي ألحق لأضيف ولكن هيهات».

لقبت بالشاعر العاشق المحب والمتفاني في اقتناص لحظات الحب حتى من جانبك الأوحد¡ «الحب» ماذا يعني لك يا شاعر¿ «لا تكذبي» ديواناً وقصيدة ومغنية¡ جللت القصيدة برداء آخر جميلاً على جمال القصيدة (الفنانة نجاة الصغيرة)¿

«في مشاعري همس لذيذ أحاول أن أتبينه¡ فتحجبه عني ثرثرة التجارب وفضول الذكريات!

هل هو الحب¿ هل هو نزوة¿ إنني مشدود من قلبي وعقلي إليها!¡ إلى جمالها العبقري¡ وأنوثتها الذكية¡ وملامحها الموهوبة المثقفة¡ فقد قالت لي إنها تثق بي في كل شيء¡ إلا عندما أتحدث عنها¡ سألتها لماذا¿ قالت: إنك تجاملني على حساب الواقع¡ فرددت: أخشى أن تتهميني بالمبالغة إذا قلت إني أجامل الواقع على حسابك¡ فقالت: هذا خيال¡ فقلت: بل هذه حقيقة وما تظنيه خيالاً أو مبالغة ليس إلاّ حرارة¡ لأني أعبّر عن الحقيقة بأسلوب دافئ¡ وهذه بطاقة تعريف:
أنا أهوى الجمال في حيثما كان
حييا أو ثائرا أو رزينا
أنا أهوى الجمال في ظلمة الليل
يثير الحنين والشجو فينا
في حديث كالوحي
أو لغة الحب تسامى عذوبة ورنينا
الحب كلمة لا تخلو منها قصيدة من قصائدك¡ من منكما يلاحق الآخر كامل أم الحب بشكل تصوري لا مجرد¿

أنا والحب توءمان منذ أن عرفت نفسي أحب الجميع وأحب الحب كما أحبني في تصورنا الحياة/ الموت! فـأنا هو كما هو أنا:

«قالت: متى ستكتب قصة حياتي¡ قلت: عندما أمارس حياتي!! قالت: اكتبها الآن إذاً..¡ قلت: كيف¿ وأنا لا أعيش ولكني أموت¡ قالت: أنت تموت¿!
قلت: لأني لا أزال أحبك!¡ فصاحت غاضبة: هل تعتقد أن حبك لي موت¿ فقلت: اهدئي.. لا ترفعي صوتك حتى لا يسمعك الموت.. فيغضب مني!:
حبيبها لست وحدك حبيـــبها أنا قبـــــــــلك
وربما جئت بعدك وربمــــــا كنــت مثـــلك

حبيبــها وروت لـــي ما كان منك ومنــــهم
فهــم كثيـــــر ولكـــــن لا شيء نعرف عنهم

سألت عقلي فأصغى وقـــــال لا لـــن تـــرها
وقــــــال قلبـــي أرهـــا ولن أحب ســــــواها

فقلــت ياقلب قل لي أأنت لعنـــــة حــــــبي¿!
أأنت نقـــمة ربــــي¿! إلى متى أنت قلبي¿!
في الأبيات المستلة من قصيدة (حبيبها) التي شدا بها العندليب عبد الحليم حافظ¡ ما يشبه الهوامش على قصيدة (لا تكذبي) تلك التي تلقفتها القلوب والآذان بأصوات كبار الفنانين¡ وهامت بها ولما تزل تهيم بهاº لتكاملها البنائي من جميع النواحي¡ بالرغم من مرور الزمن إذ تتجدد في مواكبة مع الواقع بأعجوبة¿

نعم «وليس لا» سوى أن هناك (لكن)¡ فما أراه الآن أن الحديث عن قصيدة «لا تكذبي» وهو عنوان ديواني الوحيد¡ يشي بإحساس أنك ستدخل عليّ بتفرع جديد عبر الحوارº لنصل إلى كتابي (اعترافات/ أبو نواس)¡ وهذا يتطلب وقتاً أطول ومساحة أوسعº ولهذا أقترح أن نأخذ قسطاً من الراحة¡ نلملم أوراقنا¡ ونتهيأ فيه للقادم بشكل نرجو أن يكون مقبولاً¡ وأنا أعدك بالمواصلة.
فما كان مني إلا القبول والانتظار.





http://www.alriyadh.com/1839252]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]