العلاقة وثيقة بين مهمة المؤسسة والعناية بالمرؤوسين¡ فأداء المهمة التي من أجلها وجدت المؤسسة لها الأولوية¡ والعناية بالمرؤوسين مهمة أيضا¡ والقائد الذي يتمتع بالذكاء العاطفي يستطيع أن يوفق بين أداء المهمة واستخراج أفضل ما لدى مرؤوسيه بالقدوة الحسنة والعدل..
اختلفت الريح والشمس أيهما الأقوى¡ قالت الريح: أنا الأقوى أقتلع الأشجار وأثير الزوابع¡ وقالت الشمس: بل أنا الأقوى¡ أمد الأرض بالنور والدفء¡ قالت الريح: سأثبت لكِ أنني الأقوى¡ انظري إلى ذلك الرجل الذي يمشي كيف سأجبره على خلع معطفه¡ هبّت الريح بقوة باتجاه صاحب المعطف فتمسك بمعطفه¡ زادت قوتها حتى أصبحت عواصف فزاد تمسكه بالمعطف حتى يئست واستسلمت¡ وجاء دور الشمس حيث أرسلت أشعتها الحانية الدافئة إلى صاحب المعطف فأحس بالدفء يسري في بدنه فخلع المعطف.
قصة خيالية ترمز إلى أهمية جانب اللين والعطف وأثرهما على علاقة الناس ببعض¡ وخصوصاً علاقة الرئيس بالمرؤوس والقائد بمن تحت قيادته. ومن أكثر من اهتم بالذكاء العاطفي الدكتور "دانييل جولمان" حيث ألف عنه أكثر من كتاب وعرّف الذكاء العاطفي بأنه: "مجموعة القدرات والصفات والعواطف التي تؤثر في القيادة ومدى نجاحها وتأثيرها على الآخرين"
وقد أثبت الدكتور جولمان من خلال الدراسات التي قام بها أن الأشخاص الذين يتمتعون بقدرات أكبر من الذكاء العاطفي يتمتعون بصحة ذهنية أفضل ممن يفتقر إليها¡ كما أنهم يؤدون أعمالهم ويحققون أهدافهم أفضل ممن يتمتع بالذكاء الفطري أو الخبرة فقط.
ومن تجربة شخصية في القيادة وجدت أن أكثر ما يُعين القائد على أداء مهمته هو العناية برجاله وإشعارهم أنهم محل اهتمامه¡ وأن يلمسوا ذلك من خلال تعامله معهم¡ وفي الكلية العسكرية وجدت أنه كلما زاد الاهتمام بالطلبة ارتفعت روحهم المعنوية وتحسن أداؤهم وقلّت مشكلاتهم¡ وكلما زادت الجزاءات زاد التذمر والتهرب من تنفيذ الأوامر على الوجه المطلوب¡ ومن أكثر الأخطاء التي يقع فيها القادة هو الاعتماد الكلي على من بعدهم دون مراقبة¡ كتكليف الطلبة القدامى لضبط سلوك زملائهم وحدهم¡ أو عدم مراقبة ومحاسبة المكلفين بحراسة المساجين داخل السجون¡ ففي تجربة تمت في جامعة إكسفورد قبل أكثر من ستين عاماً قام مصمم التجربة وهو متخصص في علم النفس ببناء نموذج للسجن في قبو الجامعة¡ وقد قسم الطلبة المشاركين في التجربة إلى قسمين¡ سجانون وسجناء¡ وطلب من كل فريق أن يتقمص كل منهم دوره¡ وقد أوقفت التجربة بعد أسبوع واحد فقط دون إكمال التجربة نظراً للتجاوزات الكثيرة من قبل الطلبة السجانين على زملائهم السجناء¡ بل وتركت آثاراً نفسية توجب معالجتها.
يقسو الطالب على زميله¡ والأقدم على الأحدث¡ وقد يقسو الأخ على أخيه¡ والزوج على زوجته ما لم توجد المراقبة والتعليمات الصارمة والتدخل السريع من قبل الجهات الأمنية¡ ووضع الجزاءات الرادعة¡ فكما أن الخير موجود فإن الظلم موجود أيضا وكما قال المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد .... ذا عفة فلعلّة لا يظلم.
العلاقة وثيقة بين مهمة المؤسسة والعناية بالمرؤوسين¡ فأداء المهمة التي من أجلها وجدت المؤسسة لها الأولوية¡ والعناية بالمرؤوسين مهمة أيضا¡ والقائد الذي يتمتع بالذكاء العاطفي يستطيع أن يوفق بين أداء المهمة واستخراج أفضل ما لدى مرؤوسيه بالقدوة الحسنة والعدل والتشجيع وتلمس حاجاتهم¡ والتواجد معهم كل ما أمكن ذلك.
ولنا في رسول الله قدوة حسنة حين دخل مكة فاتحاً وبعد حروب استمرت سنوات¡ فقد توقع المشركون أن النبي سيبطش بهم وينتقم منهم. سألهم صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم¿ قالوا خيراً¡ أخ كريم وابن أخ كريم¡ فقال صلى الله عليه وسلم اذهبوا فأنتم الطلقاء.
والتاريخ الحديث شاهد على أهمية القيادة الحازمة مع العدل والعطف واللين وبعد النظر¡ وعكسها البطش والتنكيل والقتل كما هو في الأنظمة الدكتاتورية¡ والتي جاء أكثرها بعد انقلابات عسكرية متتالية ثم كانت النهايات الدموية للكثير من القادة الدمويين.
وأكبر دليل على أهمية العدل والعطف والتسامح ما تعيشه المملكة العربية السعودية بقيادتها التي أرسى قواعدها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ببعد نظره¡ وبالعدل والحب والتسامح والعفو¡ وجعل القضاء مستقلاً¡ وهو ما سار عليه أبناؤه من بعده حتى هذا العهد الزاهر بقيادة الملك سلمان - يحفظه الله -¡ وولي عهده الأمير محمد - أعانه الله -¡ وقد انعكس ذلك على محبة الشعب لهذا الكيان والتفافه حول قيادته¡ وما تعيشه المملكة من أمن ورخاء وتقدم مستمر.




http://www.alriyadh.com/1839254]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]