آخر ما يمكن أن أتخيله من بين مصائب الدنيا التي حلّت بنا هذا العام¡ أن يجلس أبو شوقي أمامي ويشرح لي خطورة اللقاحات التي ستنزل للسوق قريباً لمحاربة فيروس كورونا. يحتسي فنجان قهوته على بعد مترين مني في الهواء الطلق¡ ويصفعني بالكمِّ الهائل من المعلومات التي يعرفها عن بيل غيتس¡ ومشروعه الشيطاني لزرع رقائق "ليكترونية" كما يلفظها هو¡ تحت جلدنا¡ فيصبح بإمكانه أن يراقبنا حيثما نكون في هذا العالم.. يُعبِّر عن سخطه من هذا الاختراع بحنق: "أنا مرتي ما بتعرف وين بروح¡ ووين بجي¡ يجي بيل غيتس بآخر عمري يتجسس عليّ¿".. كأنّ الخلاف شخصي بينه وبين الرّجل!
يعرف أبو شوقي أن غيتس لديه قصر في جزيرة معزولة في المحيط الهادي¡ ومختبراً سرياً يجري فيه تجاربه الشيطانية على أفراد يستوردهم كعبيد من إفريقيا¡ يعرف أيضاً أن غيتس يستحيل أن يضع لقمة في فمه إلاّ إذا حضّرها طباخه الخاص¡ ولا يسافر إلاّ وهذا الطباخ معه...!
"يخاف أن يقتلوه" يقول ويمطُّ شفتيه بطريقة تزيد من نسبة صدقية كلامه.
يخطر ببالي أن أسأله "كيف عرف كل هذه المعلومات¿" فأخاف أن أجرح مشاعره¡ وأشكِّك في معلوماته¡ فأكتفي بالدهشة "معقول!¿"¡ يضرب بقدمه على الأرض مستنكراً¡ ويعاتبني "أين تعيشين يا أم طارق¿ العالم كله يعرف"..
أستنتج أني "الأطرش في الزّفة" فأنا الوحيدة التي لا تعرف¡ مع أنني "متعلّمة¡ وفهمانة" على رأيه!
أطلق عليّ رصاصة الرّحمة بجملته الأخيرة هذه¡ كأنّه تدارك الأمر.
في لحظة ما شعرت أن أبا شوقي مصدر هذه المعلومات "الخطيرة" التي تشبّع بها العالم¡ لكنّ النّاس في تقلباتهم يحبون الحكاية¡ دون أن يعرفوا من هو بيل غيتس في الحقيقة. يحبون بطلاً لقصصهم سواء كانت واقعية أو مفبركة¡ فمنذ سنوات كان الجميع يتحدث عن لعبة "الحوت الأزرق" والأطفال الذين ينتحرون بالمشانق والقفز من على المباني الشاهقة¡ لم يُذكَر مخترع اللعبة فليب بوديكين إلاّ قليلاً¡ لم يُمنح دور البطولة في القصص التي رُوِيت¡ ربما لأنه لم يدخل في حروب إعلامية مع السياسيين كما حدث لغيتس¡ وربما لأن اسمه ثقيل على اللسان¡ وعصي على الحفظ¡ مع أنّه كَشَّر عن نياته الشريرة¡ ووصف الذين يموتون بسبب لعبته بالنفايات البيولوجية. الرّجل مريض وشرير¡ وتتوفر فيه كل صفات الشخصية الشريرة التي لا تتوفّر في غيتس¡ لكنّه لا يصلح للثرثرات اليومية..
لا مقارنة في الحقيقة بين الشخصين¡ فلكلِّ تاريخه الخاص¡ ورغم انتشار السيرة الذاتية لبيل غيتس إلاّ أن القلّة القليلة فقط تُقبِل على قراءتها من باب المعرفة. ذلك أن ما يمتعنا أكثر هو قصة أبي شوقي الذي كشف خطط عدوّه اللدود غيتس العظيم. ألا تُقاسُ عظمتنا بعظمة أعدائنا في أغلب الأحيان¿




http://www.alriyadh.com/1839253]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]