نجحت «كاوست» في مشروعها الأخير بشكل غير مباشر بتحقيق الأهداف الاستراتيجية لمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة¡ وهو طريق - بمشيئة الله - للمحافظة على الموارد الحالية¡ وتنمية الاقتصاد الوطني¡ وتلبية متطلبات الحياة للأجيال المقبلة
لم تعد الدول تُقاس وفق المنظور الاستراتيجي بما تملكه من ثروات مادية أو طبيعية فحسب¡ بل إن هناك مسارات أخرى تُشكل في سياقها العام بُعدًا مؤثرًا رياديًا في مدى تفوقها النوعي بـ"الصناعات البحثية"¡ وهو ما تسعى السعودية إلى تحقيقه لحجز موقعها الريادي على خريطة "المراكز البحثية" الدولية المؤثرة في عالم "الاقتصاد والطاقة".
الطموح البحثي السعودي يسعى لأن يكون من بين أفضل عشر دول في مؤشر التنافسية العالمية بحلول 2030¡ وهناك مكونان أساسيان للوصول إلى ذلك¡ يرتبطان بشكل مباشر بالأبحاث والتطوير¡ ويمكن لها تحسين ترتيبها من خلال زيادة قدرتها التنافسيّة في هذا القطاع من خلال وجود 5 من جامعاتها ضمن أفضل 200 جامعة في التصنيف العالمي¡ وهو ما يتطلب إجراء أبحاث عالية الجودة.
لكن السؤال المحوري الذي ربما يطرحه البعض: ما الفرق بين بحث وآخر¿.. الإجابة على هذا التساؤل المركزي تقودنا إلى مفهوم "قياس أثر عوائد التوجهات البحثية"¡ ومدى مساهمتها في إيجاد الحلول العملية الملموسة¡ التي لها تماس مباشر بدفع عجلة التنمية الاقتصادية¡ وتعزيزها الاستراتيجي لمفهوم "اقتصاد المعرفة"¡ الذي أصبح عنصرًا حيويًا للتقدم بين الدول.
التقديمات السابقة كانت ضرورية لفهم تحديات المستقبل¡ ومن أهمها الحصول على مصادر الطاقة¡ التي نرى الشرق والغرب يحركان من أجلها "الأساطيل العسكرية البحرية والجوية والبرية"¡ لضمان استدامتها وعدم توقفها.
وبعيدًا عن "عسكرة الطاقة"¡ قدمت إحدى المجموعات البحثية بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "كاوست" أنموذجًا علميًا على خريطة "الصناعات البحثية" المتطورة¡ من خلال تطوير تقنية حديثة لتوليد الطاقة وتوظيف حامل الهيدروجين السائل وحمض الفورميكº الذي يتمتع بقدرة طاقة حجمية جيدة تبلغ 1.77 كيلو وات ساعة/ لتر¡ والتي تتجاوز سعة خزانات ضغط الهيدروجين التجارية¡ خاصة أن هذا الحمض غير سام وذو قابلية منخفضة¡ كما أنه يتربع على قمة مصادر الطاقة المتجددة باعتباره ناقلًا للطاقة الهيدروجينية والكهرباء¡ وبالتالي يعتبر الإنتاج الانتقائي للهيدروجين من حمض الفورميك لتشغيل خلايا وقود الهيدروجين نهجًا واعدًا وذا مسارٍ قصير لسوق مولدات الطاقة.
وعلى هذا الأساس مُنحت "كاوست" العام الماضي (2019) أول براءة اختراع في العالم لتوليد وتخزين "الطاقة الكهربائية الآمنة منخفضة التكاليف" من حمض الفورميك¡ وهو ما جعلها في مكانة رائدة دوليًا في تطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة¡ وهي قابلة للتطبيق على السيارات الكهربائية¡ وأنظمة إمداد الطاقة المستقلة وفقًا لرؤية 2030 الطموحة لتمكين تكامل إنتاج الطاقة الشمسية.
ما يعطي براءة اختراع "كاوست" أهمية استمرار تكلفة الطاقة المتجددة بالانخفاض على مدى العقد الماضي¡ لذا من المتوقع أن تصبح الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة خيارًا مناسبًا للسعودية من الناحية الاقتصادية في المستقبل القريب¡ خاصة أنها تتمتع بمناخ وموقع جغرافي مميز¡ فضلاً عن امتلاكها لأكبر الإمكانات العالمية في تسخير الطاقة الشمسية.
ويُعد تطوير مزيج الطاقة لتنمية مصادر الطاقة المتجددة قرارًا سعوديًا استراتيجيًا لتنويع اقتصادها القائم على النفط ما يقودها إلى تعظيم المحتوى المحلي¡ لذا فإن أحد أهم المكونات في مشهد الطاقة المستقبلي تخزين ونقل الكهرباء المتجددة¡ وهو ما نجحت فيه "كاوست" عالميًا¡ من خلال اقتراح استخدام الهيدروجين كناقل للطاقة بالاعتماد على الطاقة الشمسية والتقليل من التلوث المحلي وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري¡ لذا من المهم الإحاطة بما توقعه تقرير صادر مؤخرًا عن وكالة الطاقة الدولية لمجموعة العشرين¡ من لعب الهيدروجين دورًا رئيسًا في مستقبل الطاقة النظيفة والآمنة وبأسعار معقولة¡ وما يبعث على التفاؤل أن من بين دول مجموعة العشرين والاتحاد الأوروبي¡ 11 دولة تطبق تلك السياسات¡ فيما 9 دول لديها خطط وطنية للطاقة الهيدروجينية من بينها بلادنا الغالية ولله الحمد.
أخيرًا.. نجحت "كاوست" في مشروعها الأخير بشكل غير مباشر بتحقيق الأهداف الاستراتيجية لمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة¡ وهو طريق - بمشيئة الله - للمحافظة على الموارد الحالية¡ وتنمية الاقتصاد الوطني¡ وتلبية متطلبات الحياة للأجيال المقبلة¡ خاصة أن المملكة توجهت لاتخاذ خطوات جادة في استخدام مصادر الطاقة المتجددة بجانب النفط والغاز ضمن مزيج الطاقة الوطني.




http://www.alriyadh.com/1843253]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]