لقد ميّز الإسلام بين مجال العبادات ومجال التعاملات¡ وبين مجال الإيمان ومجال إدارة الشؤون العامة والعلاقات البشرية¡ والتمييز لم يُعنِ الفصل بين الدائرتين الدينية والدنيويةº إذ لم يكن الديني والدنيوي في الإسلام منفصلًا¡ فقد كرّس الإسلام الجمع بين الديني والدنيوي..
دخلت فكرة تطوير تعاليم الدين وتأويلها تأويلًا جديدًا في الغرب من مدخل علم الاجتماعي الثقافي والديني في محاولة لتفسير الأديان تفسيرًا عصريًا.. وقد سارت المسيحية بشقيها الكاثوليكي والبروتستانتي على هذا النهج.
يقول مؤلف كتاب تكوين العقل الحديث د. جون راندال: "إذا كان للدين - يقصد البروتستانتي والكاثوليكي واليهودي - أن يشكل حقيقة حية وأن يظل تعبيرًا دائمًا عن الحاجات الدينية للجنس البشري فلا بد أن يتمثل الحقيقة والمعرفة الجديدتين وأن يتآلف مع الظروف المتغيرة في العصر الحديث".
وكان من نتائج هذا النقد التاريخي أن دخلت فكرة تطوير تعاليم الدين عن طريق علم الاجتماع الثقافي والديني.
وقد سار على هذا النهج بعض المفكرين العرب¡ فالمفكر والباحث الأكاديمي د. محمد أركون حاول قراءة الإسلام من منظور علم الاجتماع الثقافي والديني والمعارف العصرية السائدة والذي تمثل في مشروعه الفكري (الإسلاميات التطبيقية) وقد تحول هذا المنهج إلى مدرسة فكرية تأثر بها تلاميذه إلى اليوم.
وبرغم أن د. محمد أركون قدم الكثير من الدراسات والمؤلفات في علم الاجتماع الثقافي والديني إلا أن أهم مؤلف له في التفكير الاجتماعي هو كتاب: (تاريخية الفكر العربي الإسلامي) وقد لاقى الكتاب في نسخته الفرنسية رواجًا لا مثيل له في فرنسا¡ والكتاب محاولة لتفكيك الخطاب التقليدي وإعادة بناء الفكر الديني على قوانين ونظريات علم الاجتماع الثقافي والديني في محاولة لعرض الإسلام عرضًا جديدًا.
ففي بعض فقرات الكتاب يحاول د. أركون صرف قصص القرآن عن غير معانيها وتقديم تأويلات جديدة لها تتماشى مع نظريات علم الاجتماع.
وبالإضافة إلى هذا الكتاب فقد نشر د. أركون مؤلفات باللغة الفرنسية والإنجليزية كـ(الفكر الإسلامي.. قراءة علمية) وكتاب (الإسلام.. "الأخلاق والسياسة") وكتاب (العلمنة والدين) وكتاب (قضايا في نقد العقل الديني).. وكان د. أركون من خلال كتبه يحاول تجديد الفكر الإسلامي في محاولة للتوفيق ما بين الدين والعصر الحديث في مسعى لتكييف الإسلام مع الحضارة الغربية مستمدًا كل نظرياته وأفكاره من علم الاجتماع الثقافي والديني في محاولة لإيجاد صيغة للعلاقة ما بين الحداثة الفكرية والعقل الإسلامي في ضوء المفاهيم والمناهج الجديدة للعلوم الاجتماعية محاولًا إيجاد قراءة جديدة للإسلام عن طريق علم الأنثروبولوجي.. مقترحًا في برنامجه الإصلاحي إيجاد مقاربة بين البعد الديني بكل ما يعنيه من قيمة روحية وبين معطيات العلوم الإنسانية والاجتماعية وتبني العلمانية المنفتحة التي تولي أهمية للبعد الروحي والديني لدى الإنسان.
من هذه الآراء تنكشف معالم التجديد عند د. محمد أركون والتي تقضي بإعادة النظر في التراث على ضوء الفكر والتجربة المعاصرة واستحداث تأويلات جديدة لها.. ولكن د. أركون لم يكن ينجو من بعض الأخطاء فقد تداخلت أفكار ومؤثرات علم الاجتماع الثقافي والديني الغربي مع أفكاره الإسلامية ففي منهجه لتفسير قصص القرآن الكريم تتجلى النزعة إلى تفسير قصص القرآن تفسيرًا يتناسب مع المعارف الغربية السائدة في العصر وتأويلات تتلاءم مع فلسفة علم الاجتماع الثقافي والديني على الطريقة العلمانية.
ولكن إذا نظرنا إلى الواقع نجد أن العلاقة ما بين الديني والمدني في التجربة التاريخية الإسلامية طبيعية وتوافقية¡ فالتماهي والالتحام ما بين الدين والمجتمع تكمن في قوة النموذج التاريخي الإسلامي.. فلم تعرف التجربة الإسلامية إشكالية الفصل بين الدين والدولة¡ فالدين مثلما حقق نجاحات في صياغة الحياة الاجتماعية والثقافية فإنه في نفس الوقت كيّف تلك الحياة ودمجها في نسقه.
لقد ميز الإسلام بين مجال العبادات ومجال التعاملات وبين مجال الإيمان ومجال إدارة الشؤون العامة والعلاقات البشرية والتمييز لم يعنِ الفصل بين الدائرتين الدينية والدنيوية إذ لم يكن الديني والدنيوي في الإسلام منفصلًا فقد كرس الإسلام الجمع بين الديني والدنيوي.




http://www.alriyadh.com/1846698]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]