نال الكاتب الدانيماركي هنريك بونتوبيدان جائزة نوبل سنة 1917¡ وبعد مئة عام من ذلك الحدث الكبير¡ قام مواطنه المخرج بيل أوغيست بتحويل روايته "بير المحظوظ" إلى فيلم¡ ليصنع حدثا بنفس الوقع يعيد للأذهان حكاية أبناء الدانيمارك وصراعهم مع الأعراف القديمة قبل بناء الدانيمارك الجديدة.
وعلى عادة السينما التي تمنح حياة ثانية لأي قصّة دخلت توابيت النسيان. وُلِدت الرواية مرة أخرى¡ والتي كانت قد صنعت شهرة بونتوبيدان على أيامه في الدانيمارك. عربيا¡ لا نكاد نجد شيئا عن الكاتب والرواية¡ لكن الفيلم الذي حمل عنوان "رجل محظوظ" دخل حقل المعلومة العربية أخيرا¡ أولا: بسبب اسم مخرجه الذي شارك في لجان تحكيم في مهرجانات عربية بالمغرب ومصر¡ وثانيا: بسبب اهتمام النقاد بالعمل السينمائي عالميا والذي نال جائزة تيانتان الجائزة الأهم في الدورة التاسعة من مهرجان بكين الدولي للأفلام¡ كما رُشّح لجوائز أخرى منها الأوسكار لنيل جائزة أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية¡ وثالثا لأن الفيلم يعرض على المنصّة الإلكترونية نتفليكس مع ترجمة عربية.
لكن هذه كلُّها تفاصيل¡ لرواية ضخمة (900 صفحة) اختار كاتبها عزلة تامّة للتفرُّغ لها¡ فقد ابتعد عن صخب كوبنهاغن واعتكف في بلدة شارلوتنلوند الهادئة على الساحل الشمالي للعاصمة لكتابتها.
نفس هذه البلدة¡ ستشهد تغيرات مهولة بعد مئة عام¡ فتصبح واحدة من أكثر المناطق ثراءً في الدانيمارك. وهذا لن يكون التّحوُّل الوحيد الذي سيكتشفه قارئ بونتوبيدان عن هذا البلد¡ فقد رصد الكاتب في روايته تفاصيل حياة الفقراء والأثرياء¡ السلطة الماسكة بعصب الحياة وتحَكُّمِها في أصحاب المال والأفكار¡ الصراع بين التجديد والثبات على كل ما هو قديم¡ التطرّف الديني والمغالاة التي مارسها رجال الدين المسيحيون تجاه الطائفة اليهودية¡ وأمور أخرى نعيشها بقلق وفضول متتبعين أهم محطات حياة طالب الهندسة الموهوب بيتر سيدنيوس الذي جاءه الحظ عدة مرات لخدمته ولكنّه لم يستفد منه بسبب تردده في مواصلة طريق تمرّده إلى النهاية. لم يتمكّن بير المحظوظ من تخطّي كل التجاويف العميقة التي تركتها التربية الصارمة الخالية من عواطف الحب والحنان في نفسه¡ لم ينضج تماما ولم يغادر طفولته. وقد عرف دوما ما ينقصه¡ لكنّه لم يعرف أبدا كيف يحصل عليه.
يعيد الكاتب قراءة ماضيه الشخصي من خلال قصة بيتر ويدرك أن الحياة قصيرة¡ ويستحيل لمن يريد تصحيح مسارها أن يهدر وقته في التردُّد. في الفيلم لا نرى أثار الحرب العالمية الأولى¡ لكننا بالتأكيد نستنتجها من خلال النهاية المأساوية لبيتر¡ والسّرطان ينهش جسده في عزلته¡ وقد أدرك أخطاءه¡ وتصالح مع نفسه¡ مقدّما كل مدخراته لخطيبته السابقة التي سخّرت حياتها لتعليم أبناء الطبقة المعدمة¡ في جلسة مسامحة مؤثرة كشفت أنّه عرف أخيرا أن العطب في قلبه¡ وأنّ ما ينقصه لا يمكن أخذه سوى بالعطاء.




http://www.alriyadh.com/1846805]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]