يمكنك أن تقرأ للكاتب الذي تحبه ما شئت من الأعمال¡ إلاّ أنّ فهمك الحقيقي له لن يأتي لا مما قرأته من أدبه ولا مما كُتِب حوله من قراءات ودراسات أكاديمية ولا حتى من معرفته شخصياً.
وحدها رسائله الشخصية لأقرب أصدقائه تكشف الجانب الأهم من شخصيته¡ وهو الجانب الذي اعتقد طيلة حياته أنه يهمه وحده ولا يهم قارئه في شيء.
من هذا الباب أقول: إنّ الكاتب الذي لا أصدقاء له¡ كاتب مشكوك في أمره¡ من حيث درجة أنانيته ونرجسيته التي تجعله يمارس الأدب وكأنّه يسوق مِحدلة¡ بحيث يرصف بها طريقه نحو الشهرة¡ داهساً كل من يصادفه في طريقه¡ ولنا أمثلة لا حصر لها بشأن "كُتّاب المِحدلة" هؤلاء¡ ولا أحد منهم يستحق الذّكر في هذه العجالة حفاظاً على جمالية المشهد الأدبي الذي أحرص على تقديمه لكم في ملتقانا الأسبوعي هذا.
نكتشف إذن عظماء الأدب من أخلاقهم الرّفيعة أيضاً¡ وإخلاصهم لإبداعهم¡ وفي سلسلة المراسلات التي حرصت دار الرافدين على تقديمها مترجمة للقارئ العربي تأخذنا الدّهشة بعيداً ونحن نقرأ الرسائل الشخصية بين كبار الكتاب في أزمانهم¡ فنرى ما صعُبت رؤيته أمامنا سواء بسبب المختصرات التاريخية لهم¡ أو بسبب وهج شهرتهم التي في الغالب تخفي معاناتهم الحقيقية سواء على صعيد العائلة¡ أو الصعيد السياسي¡ أو صعيد الحروب الخفية في الساحة الأدبية التي تسيطر عليها النوعية التي سبق ذكرها.
في مراسلات هرمان هسّه وتوماس مان نقرأ ما يشبه واقعنا اليوم تماماً¡ ولكننا أيضاً نقرأ عن صداقة جميلة بين رمزين كبيرين في الأدب الألماني طيلة النّصف الأول من القرن العشرين¡ وهي الصداقة التي تمثّل الجانب المضيء من الحياة الثقافية لكل عصر شابته الظروف نفسها¡
بدأت مراسلات هاذين العملاقين العام 1910 وانتهت برحيل توماس مان في الثاني عشر من شهر أوت "أغسطس" 1955¡ لم يكف خلال هذه الفترة كلاهما من مساندة الآخر في مجال عمليهما¡ سقطت مقولة "عدوّك ابن كارك" أمام نبلهما¡ بل على العكس حين نال توماس مان جائزة نوبل العام 1929 وأصبح لديه الحق لترشيح أدباء آخرين لنيل الجائزة¡ ظلّ مصرّاً على ترشيح صديقه هرمان هسّه لمدة عشر سنوات حتى نالها.
في عيد مولده الثمانين كتب توماس مان مهنئاً صديقه هسّه بالمناسبة¡ وكانت تلك آخر رسالة يكتبها له¡ عاش هسّه بعده سبع سنوات وانطفأ هو الآخر¡ لتظهر هذه الرسائل بعد سنتين في نسختها الأولى¡ كإشراقة لا مثيل لها زينت المشهد الثقافي الألماني والعالمي ولا تزال.
بدأت صداقتهما ذات يوم عند ناشرهما صاموئيل فيشر في ميونيخ¡ وقد كتب هسه لمان مذكراً "لم نكن متشابهين للغاية¡ بدءاً بالملابس والأحذية" فقد كان الأول ابن رجل دين بسيط من الجنوب والثاني بورجوازياً من الشمال¡ جمعهما الأدب حتى توجهما بأهم جائزة.




http://www.alriyadh.com/1857011]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]