في حياة الأعمال¡ يُعد تقديم الهدايا وقبولها وتقديم وقبول الدعوات إلى وجبات العشاء أو الغداء وغيرها من المناسبات جزءًا من الحياة العملية اليومية. لكن مثل هذه الأحداث¡ يشوبها الكثير من الملابسات التي قد تجعل ممارسيها مشتبهاً بهم في جريمة رشوة أو شبهة فساد بأي شكل من الأشكال¡ خاصة إذا كانت العلاقة علاقة عمل بحتة أو تختلط فيها العلاقة الاجتماعية والعملية على سواء. وكما لا يخفى علينا¡ فقد جرم نظام مكافحة الرشوة لأخذ العطية أو الوعد بها مقابل أداء عمل معين أو الوعد بالقيام به¡ ونص النظام في المادة 12 أنه "يعتبر من قبيل الوعد أو العطية -في تطبيق هذا النظام- كل فائدة أو ميزة يمكن أن يحصل عليها المرتشي أيا كان نوع هذه الفائدة أو تلك الميزة أو اسمها سواء كانت مادية أو غير مادية" لكن هذا لا يعني أن الموظفين لا يتلقون دعوات يلبونها¡ مما قد يجعلهم يتورطون في شبهة فساد على الرغم من عدم وجود القصد الجنائي. أو العكس¡ حيث الامتناع عن تلبية دعوات عمل ذات تكلفة رمزية بسبب الخوف من التورط في جريمة الرشوة مما قد يترتب عليه إعاقة الحياة العملية وجعلها أقل مرونة.
الحل إذاً هو ليس المنع التام عن تلبية مثل هذه الدعوات أو تلقي هدايا رمزية أو فخرية¡ وإنما يجب تنظيم هذا الموضوع من خلال اتخاذ العناية اللازمة بشكل يضمن انعدام الضرر المالي أو ضرر لسمعة الإدارة وموظفيها بسبب هذه الممارسات التي يستحيل منعها بشكل كامل في أي مؤسسة¡ الحل إذا هو تضمين سياسات الإفصاح موضوع تقديم الدعوات وقبولها¡ وتقديم الهدايا وقبولها من خلال مرحلتين¡ المرحلة الأولى: تشريع لائحة خاصة بهذا الموضوع¡ أو إدراج باب خاص بذلك في لائحة الالتزام والافصاح¡ من خلالها يتم الاهتمام بكيفية السماح لمثل هذه الممارسات بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي السائد في الدولة¡ فمثلاً يتم تحديد أنواع الهدايا ما بين هدايا رمزية أو هدايا فخرية لا تتجاوز قيمتها 1000 ريال مثلاً.
ويجب على الموظف ألا يتلقى أو يقدم هدايا تتجاوز هذا المبلغ خلال السنة المالية الواحدة. كذلك¡ بالنسبة للدعوات¡ يمكن توجيه الدعوات وتلبيتها وفقاً لمعايير محددة تمنع حصول شبهات فساد مالي أو إداري أو تؤثر على حياد الموظف والمسؤول¡ المرحلة الثانية: تطوير برنامج يصاحبه مؤشر قياس لمعدل ما يرد للمؤسسة وما يخرج منها من هدايا ودعوات و دعم وتبرعات.. إلخ.
تعد هذه المرحلة مهمة جداً لرفع مستوى النزاهة¡ لأن النظام يضع حداً لمعدل ما يرد للموظف من هدايا ودعوات¡ وهذه يصعب حصره بجهد الإنسان فقط¡ وإنما يحتاج إلى برنامج مبرمج وفقا لنصوص لائحة الإفصاح عن الهدايا والدعوات والاستضافة..إلخ¡ يقوم الموظف والمسؤول المعني بالموضوع تعبئة النموذج إلكترونياً¡ وعند تجاوز الحد المحدد في النظام¡ أو كانت الدعوة مشبوهة أو ذات مبلغ عالي مرتفع يظهر Red Flag¡ بحيث يتم اتخاذ إجراءات تحددها اللائحة مثل استدعاء المعني بالموضوع للتحقيق في ذلك¡ والتأكد من سلامة الدعوة أو الهدية وخلوها من شبهة الفساد.
تنظيم سياسة إفصاح بما يخص موضوع الهدايا والدعوات التبرعات وغيرها من الأمور المادية التي تقدم إلى أو يقدمها موظفو المؤسسة مهم جداً لثلاثة أسباب¡ أولاً: قياس نسبة احترافية العمل ومستوى نزاهة المؤسسة وموظفيها. ثانياً: عند تقنين وتنظيم هذا الأمر يجعل الرقابة على موضوع الرشاوى أسهل¡ حيث أن من لا يفصح عما تلقاه أو ماصدر منه يجعله متورطاً في شبهة فساد. ثالثاً: استناداً على السبب الثاني¡ عدم الإفصاح هنا يخلق شبهة فساد مما يجعل إثبات الركن المعنوي المتمثل في القصد الجنائي أكثر سهولة¡ خاصة لو كانت قيمة الهدية باهظة الثمن أو الدعوة أو المناسبات المهنية والعملية ذات تكاليف عالية.




http://www.alriyadh.com/1864821]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]