ليس سويدياً من الدول الإسكندنافية¡ وإنما المقصود حي السويدي بالرياض العاصمة¡ وهو ما ذهب إليه القاص والروائي والكاتب (حسين علي حسين) حيث اتخذ منه عنواناً لروايته الصادرة حديثاً¡ فرواية (السويدي) هي اسم على مسمى لكون الشخصيات والأحداث كلها تدور أو معظمها في هذا الحي الصغير الذي انحشر في مربع صغير يقع بين أحياء الرياض القديمة الصغيرة (الفوطة¡ حلة القصمان¡ المربع¡ وحوطة خالد) أو هكذا يبدو¡ كان في الستينيات من القرن الماضي سكناً لبعض الشخصيات الصحفية والأدبية قبل التوسع الهائل الذي يحدث في العاصمة يوماً بعد آخر وبشكل مستمر.
رواية السويدي تدور حول شخصية رئيسة اختار لها الكاتب اسم (حامد بن بديع المناور) الذي حان موعد إحالته على التقاعد وأُشعر بأن يعد العدة لهذا اليوم وربما المرحلة القادمة¡ وكان هاجسه في فوران دائم حول حال التقاعد والمتقاعدين¡ وأين تكمن الراحة¿ هل هي في العمل من الصباح إلى ما بعد الظهر¡ أو في السهر مع معايشة الأولاد وكافة الأسرة حتى الأم مع المجموعة التي ستشاركه بقاءه عندما يتقاعد¡ فيقابلها ويتحدث معها وتحدثه عن صغره وكبره وما مر به مما يعلم ولا يعلم¡ وفي ما هو على هذه الحال التي لا فكاك منها¡ عقد عزمه ذات يوم أن يلم أوراقه التي تخصه المهم وغير المهم¡ لقد أصبحت في الأهمية سواء: "في الوقت الذي كان فيه ملفه يدور وسط مكاتب المسؤولين¡ وليكون على بينة كامة بأن يوماً ما سيأتي¡ ومعه معاش يأخذه مطلع كل شهر هجري¡ سيأخذ هذا المعاش دون أن يفكر ولا مرة واحدة في موعد الاستيقاظ¡ أو طلب إجازة مرضية أو عادة حتى¡ أيامه ستكون مفتوحة على كافة الاحتمالات يأخذ منها ما يريد وما لا يريد¡ وهو سلطان نفسه¡ وسلطان نفسه حبيب مطاوع".
هكذا أخذت تدور به الأفكار ومنلوجه الداخلي يرسم ويخطط¡ فيتسع الأفق أمامه¡ ولكنه في شغله الشاغل¡ وقد كان يحسب لكل شاردة أو واردة¡ واليوم يقوم ليخلص أوراقه ويسير إلى حيث يشاء¡ ويعمل مايريد¡ لا توقيع دخول ولاخروج¡ ولا من يسأل عن المعاملة التي في الملف الأسود أو الأخصر¡ ومتى ما أراد هو أو أحد من الأسرة المستوصف سيذهب به بماشرة دون أخذ إذن أو إجازة اضطرارية¡ يخرج أو يجلس في المنزل ما فيه مشكلة¡ هو طليق يقرر ما يريد¡ هو يحس بذلك لكن الداخل مع النشوة لم يبدأ في حساباته لمواجهة الآتي المغاير.
بعد أن أكمل إجراءاته الروتينية التي تمكنه من أن يسلك طريقه إلى خارج مقر عمله الذي عاش بين أروقته وأوراقه أكثر من ثلاثين عاماً غير مفكر في الحارس أو المراجعين ليس لهم ولا له معهم أي تمازج الآن: "كان معه كيس وهو ينزل من درج المصلحة¡ كيس من البلاستيك الأسود الخشن السميك¡ وضع فيه ملفاته الشخصية تلك التي رافقته طوال مكوثه في العمل¡ يأخذها من مكتب إلى مكتب¡ ومن مدينة لأخرى¡ في حالة الترقية الوظيفية والانتدابات¡ لو بقيت في مكان آخر¡ الأب يتوجب عليه حتى آخر لحظة رعاية أبنائه¡ وهذه الأغراض أصبحت قطعة منه بدونها سوف تكون يتيمة¡ يجب عليه أن يشعر أن لا شيء تغير أبداً الذي يعطل من هذه الأغراض.. جميعها ملكيته الخاصة أخذها معه وهو مطمئن إلى المنزل¡ وهناك لها في المنزل مكان خاص".
القاص والروائي حسين علي حسين ليس غريباً على القراء في مجال الكتابة الأدبية والصحفية¡ والتأليف¡ فهو صاحب تجربة نشرية سباقة¡ فقد أصدر عدداً من المجاميع القصصية قوبلت بالقبول والدراسات في الداخل والخارج¡ وله رواية تسبق هذه¡ وقد كان الظن أن سيبقى مع القصة القصيرة التي برع فيها منذ أن نشر أول قصة وكذلك أول مجموعة¡ كما في كتاباته الاجتماعية يتسم بالدقة والهدوء¡ والبعد عن المباهاة أو احتقان الذات¡ فهو يكتب بهدوء وسكينة مع مراعاة الأدوات الفنية للعمل ومحاولة تطبيقها بدقة.
هذه الرواية يشعرك فيها هذا (المدني) نسبة إلى المدينة المنورة حيث مولده وصباه أنه من (الرياض) التي عاش فيها عقوداً طويلة¡ يصف لك وسط الرياض المدينة¡ وأطرافها¡ وأنا أعيد السبب ليس لسكنه في بعض الأحياء فقط¡ وإنما لكونه قد عمل في أمانة مدينة الرياض في القسم الهندسي للأراضي¡ فهو خريج مساحة¡ ومع التنقلات بين القديم والجديد جمع فأوعى¡ هذا بالنسبة لأحياء مثل المقيبرة¡ والشرقية¡ وخنشليلة¡ والعود¡ ودخنة¡ والحلة¡ والجرادية¡ والخزان¡ والفوطة¡ والمرسلات¡ والعليا¡ وغيرها)¡ وقد عالج فيها عدداً من المواضيع المهمة والملاصقة¡ فهي أشبه بالواقعية السحرية فيما يمد إلى المعايشة والسيرة الذاتية التي لا تخلو منها الرواية.




إضغط هنا لقراءة المزيد...