الاتجاه هو الاستعداد للاستجابة¡ والرأي تعبير عن الاتجاه في كلمات¡ وكلاهما -الرأي والاتجاه- يكشفان واقع المجتمع¡ ومستوى وعيه¡ ويجمعهما علاقة متلازمة¡ رغم أن التجارب دللت أن الآراء الظاهرة قد تخفي الاتجاه الحقيقي للفرد أو المجتمع¡ حيث المصالح والأجندات الفكرية تلعبان دوراً مهماً في بروز الآراء التي لا تمثّل المجتمع¡ ولا تعكس رؤيته¡ وواقعه¡ ومع ذلك يبقى الرأي العام مقياساً للتعبير عما يجري¡ والاتجاه للحكم على ما يجري.
والرأي العام في أي مجتمع تغذيه أفكاره المستحدثة¡ وقيمه الاجتماعية¡ وثوابته الدينية والوطنية¡ وأنظمته السياسية¡ وتتعدد أنواعه بحسب مدى استمراره (الكلي¡ المؤقت¡ اليومي)¡ وبحسب نشاطه ومشاركته (السلبي¡ الإيجابي)¡ وبحسب ظهوره (الظاهر¡ الكامن)¡ وبحسب تأثره وتأثيره (القادة¡ النخب¡ المنساق)¡ وفي كل تفاصيل هذه الأنواع يبقى الاتجاه هو من يحدد موقف الرأي¡ وقوته¡ وتبريره¡ وإسقاطاته¡ وحتماً مستوى نقده.
في مجتمعنا أصبح الرأي العام منسجماً إلى حد كبير مع توجهات ومواقف النظام السياسي¡ وهذا أمر ليس خافياً ولا جديداً¡ وهذا يعكس تقدير المجتمع لنظامه¡ وثقته فيه¡ وارتباطه الوثيق معه¡ وهو تعبير أيضاً على قوة المجتمع وتماسكه¡ وتغليب مصالحه العليا لما يخدم أمنه واستقراره¡ ولكن اللافت اليوم مع متغيّر التقنية أن هناك من يخرج عن هذا النسق العام¡ والدخول في حالة صراع¡ وتأزيم¡ وتأليب¡ وإثارة الرأي العام¡ بما لا يستقيم مع الواقع¡ ولا يخدم المصلحة العامة¡ ولا يستجيب للعقل والحكمة في معالجة الخلل¡ والقصورº لدرجة أن كل قضية مثارة في مجتمعنا تتحول إلى قضية رأي عام¡ ويتخللها أجندات ومصالح شخصية لا ترقى للحل والمواجهة.
الرأي العام لدينا ناقد بشكل مثير¡ ومخيف¡ رغم أن حرية الرأي والتعبير لا تعني الانفلات من مصفوفة القيم¡ وأخلاقيات الممارسة¡ وقانونية النظام¡ ومع ذلك هناك تجاوزات مقلقة في التشهير¡ والفساد¡ والانتقام¡ والغمز واللمز من قريب أو بعيد¡ ومعظمها لا يستند إلى حقائق كافية¡ أو معلومات موثّقة¡ وبالتالي يكون النقد موجعاً في حق أشخاص¡ أو مؤسسات¡ وينتهي إلى محاكمات¡ وجلسات استماع وتحقيق.. ومن يقرأ الواقع جيداً يدرك أن الأمر خطير¡ ولا يتمنى الإنسان أن يضع نفسه في محل اتهام¡ أو ملاحقة قانونية كان الأجدر به أن يكون أكثر وعياً واتزاناً فيما يصدر عنه¡ أو يتجه إليه.
النقد الذي صنع رأياً عاماً في مواقع التواصل الاجتماعي¡ و"هاشتاقات" عابرة للحدود¡ ونغذيها بقلة وعينا أحياناًº أفرزت اتجاهات لهذا الرأي¡ منها (الاتجاه الموضوعي) الذي يستند إلى الحقيقة¡ والمعلومة من مصادرها¡ وهو النقد الذي نرحب به¡ ونحث عليه¡ بما يعزز من مستوى الوعي¡ وتقدير مسؤولية المشاركة في تقديم الحلول¡ وصناعة القرار¡ ومنها (الاتجاه المنحاز) لطرف على حساب آخر من دون إساءة¡ أو تقليل¡ أو تخوين¡ وهذا يقدّر بقدره¡ وتوقيته¡ وحرية اختياره¡ ولكن ما يقلقنا ويخيفنا هو (الاتجاه الهجومي) في الرأي والنقد بحق أشخاص ومؤسسات اعتبارية¡ حيث لا يكفي الانحياز لطرف¡ وإنما مع ذلك الإساءة للطرف الآخر.
هذا النوع الأخير من الاتجاه في الرأي¡ وتحديداً على مواقع التواصل الاجتماعي¡ ترك الباب مفتوحاً أمام حالة من التأزيم¡ والإحباط¡ ودخول المندسين لتغذيته¡ وإثارته من أصحاب الحسابات الوهمية¡ ومنح الإعلام المضاد فرصة لتضخيمه على نطاق واسع¡ رغم أن هذه الآراء الظاهرة على السطح لا تعكس بالضرورة اتجاه المجتمع ولا أفراده.. وهو خلاصة القول.




إضغط هنا لقراءة المزيد...