فهمَ بعض القراء من النص الذي أوردتُهُ للأديب راي برادبيري وذكر فيه أن: "الكَم ما هو إلا عتبة للكيف"¡ الدعوة للإسراف في الكتابة والنشر¡ مع أن النص يُعبر عن رأي جميل يرى فيه الكاتب أن الاستمرار في بذل الجهد والإنتاج يُكسب الأديب خبرة تُهيئه لإنتاج الأفضل¡ والاستمرار في الكتابة لا يعني بالضرورة أن يعرض الأديب كل إنتاجه على المتلقين¡ إذ يمكن أن يكتب الشاعر بشكل متواصل ولكنه لا يخرج للضوء إلا ما يعتقد جازماً أنّه مميز ومختلف عن السائد والمكرر من القصائد.
الإسراف في نشر الشعر ظاهرة مُزعجة برزت بشكل أوضح مع الانفتاح الإعلامي وتعدد الوسائط التي يمكن للشاعر إيصال صوته إلى الناس من خلالها¡ هذه الظاهرة عبّر العديد من الشعراء عن استيائهم منها بأبيات يخاطبون فيها الشاعر المسرف في الكتابة والنشر بلغة لطيفة تنطوي على شيء من السخرية¡ لعله يقتنع ويخفّف من استهلاكه اليومي للشعر وكأن الشعر هو أهم ما يحتاجه الناس¡ يقول الشاعر عيضة الثبيتي في هذا المعنى:
عزيزي الشاعر ترى ما كل هالدنيا قصيد
ولا تحسب إن القصيد يهمّنا ويكودنا
معقول ما يطلع نهار الا تسمّعنا الجديد
حنا نبي نطرب معك وأنته دبلت كبودنا!
كذلك يوجه الشاعر ضويحي العماني رسالة جميلة للشاعر الذي لا يترك مناسبةً تمر من دون أن يُعلق عليها بما يشبه الشعر¡ مع أن الأجدر بالشاعر ألاّ يكتب إلا عن المواقف والأحداث التي تؤثر فيه ويستطيع أن يُعبر عنها بدرجة عالية من الصدق¡ لكي تكون لأبياته قدرة على التأثير العميق في المتلقين¡ يقول العماني:
عزيزي الشاعر ترى ما هو بفرض
في كل موضوعٍ تعلّق بـ بيتين
لا صار مالك واهسٍ فاقضب الأرض
ترى العرب مما بها شافت الشين
والله ما لوم المتابع اليا مرض
بعض الحكي يدبل كبود البعارين
أمّا تقدّم شيء يستاهل العرض
والا اكسب الراحة مع المستريحين
ومن مظاهر الإسراف الشعري أيضاً عدم عناية الشاعر بالإيجاز في قصيدته¡ والتطويل في التعبير عن فكرة لا تستدعي الإطالة¡ يقول فرج العصيمي في نقد هذا المظهر الشائع:
عزيزي الشاعر قبل ترفع الصوت
خلّك مرتّب فالمنابر وايتيكيت
ما هو بلازم تردف بيوت فـ بيوت
أحيان تاصل فكرتك في شطر بيت
الإسراف في الكتابة والنشر أو في عدد أبيات القصيدة الواحدة من دون حاجةٍ ماسة لذلك كلها مظاهر سلبية لا يفطن لخطورتها إلا الشاعر المبدع¡ ومن الجيد أن الشعراء المبدعين الذين استشهدنا بأبياتهم هنا وغيرهم يساهمون في رفع مستوى الوعي عند زملائهم الذين يغفلون عن أثر لإسراف الشعري السلبي على تجاربهم.




إضغط هنا لقراءة المزيد...