قبل ثلاث سنوات تقريباً¡ تسبب مراهق أميركي يدعى إيثان كوتش بمقتل أربعة أشخاص في حادث سيارة كان يقودها وهو تحت تأثير المسكر. القضية كانت حديث الناس في تلك الفترة بسبب ذلك العذر المؤسف الذي تقدم به فريق الدفاع لتبرير ما فعله كوتش. فقد استخدم الفريق مصطلح (Affluenza أفلونزا) لتبرير الحادث¡ والذي يعني "متلازمة عدم القدرة على فهم عواقب الأفعال بسبب الثراء". بطبيعة الحال¡ لم يقبل القضاء ولا الناس¡ فرط الدلال كعذر للقيادة تحت تأثير المسكر وقتل أربعة أنفس بريئة.
الأثرياء في الغالب هم أناس وهبهم الله القدرة على تخليق الأموال. بعضهم بدأ من القاع ووصل إلى نادي المليارديرات وسطروا قصص حياة ملهمة يغبطهم الناس عليها¡ لكن "ما من موهبة تمر دون عقاب" كما يقول محمد الماغوط¡ إذ تظهر الدراسات أن الأثرياء غالباً ما يعانون من ضعف السيطرة على أبنائهم¡ فهم واقعون بين خياري الصرامة في التربية والعطف الفطري عليهم¡ وغالباً ما يتغلب الأخير على الأول فتتحول حياة الطفل في المستقبل من بحبوحة العيش إلى جحيمه¡ ذلك الألم الذي هو أقسى من الفقر بكثير¡ إذ أثبتت دراسة قامت بها الدكتورة سونيا لوثر من جامعة أريزونا أن هناك الكثير من الأدلة التي تثبت أن أطفال الأثرياء يعانون نفسياً أكثر من أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة¡ إذ تقودهم اللامبالاة وضعف الحافز لحياة مليئة بالاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب ويعدون فريسة أسهل للإدمان على الكحول والمخدرات.
متلازمة أبناء الأثرياء تحدث في الغالب بسبب اضطراب الأولويات لدى الأب (صانع الثروة)¡ إذ يمنح جل وقته لمشروع حياته¡ حصد الكمية الأكبر من المال على حساب أسرته وأبنائه الذين يضع حمل تربيتهم على عاتق الأم التي تضعها بدورها على المربيات والخادمات.
النماذج الحية لأولئك الذين هبطت عليهم الثروة السهلة فكسرتهم كثيرة¡ أقرب تلك الأمثلة كان المغنية سيلينا جوميز التي حضرت حفل "جائزة الموسيقى الأميركية" الأسبوع الماضي وألقت بصوت مبلل بالدموع¡ خطاباً مؤلماً حول ذاتها المعذبة¡ قالت "لدي كل شيء أريده لكنني مكسورة من الداخل!" ذلك الحطام النفسي الذي تحدثت عنه جوميز هو ذاته الذي قاد موهبة استثنائية كإيمي واين هاوس إلى الغرق في الكحول والمخدرات حتى توفيت بسببها في نهاية العشرينات من عمرها وهي في حالة بائسة من الهزال والانطفاء.
وأخيرا خلطة النجاح في تفادي هذه المتلازمة يكمن في التربية المتوازنة وجعل الطفل كياناً مستقلاً يبني نفسه بنفسه¡ يقول بيل غيتس¡ الذي تبرع بمعظم ثروته للأعمال الخيرية: "أطفالي سيحصلون على أفضل تعليم وبعض المال¡ سيشقون طريقهم في الحياة ويبنون مسيرتهم العملية بأنفسهم¡ ليس من الإحسان للأبناء أن تعطيهم مبلغاً كبيراً من المال فهذا سيشوه أي شيء يقومون به".




إضغط هنا لقراءة المزيد...