مسرح الإرهاب لم يعد قاصراً على الفعل لإظهار عدوانية السلوك¡ واعتلال الفكر الذي يغذيه¡ وما ينتج عنهما من صور القتل والتدمير¡ ولكن أضحى هذا المسرح متاحاً لمشاهد أكثر عمقاً في تحري التفاصيل¡ وإفراز الكامن¡ وتأزيم الصراع¡ وجاذبية التلقي¡ وتعددية الموقف.
صورة الإرهاب لم تعد عفوية لرؤية الفاعلين في حالة استعراض للحضور¡ ونفوذ الوصول¡ وتوثيق البطش والإجرام والفساد¡ ولم تعد أيضاً توثيقاً لما جرى¡ أو تجاوزاً عما هو مألوف ومستقر في حياة الإنسانية من قيم ومشتركات¡ ولكنها مع كل ذلك أصبحت هذه الصورة تحمل دلالات¡ ورموزاً¡ ورسائل¡ لا يمكن فصلها عن سياقها المعلن للفعل¡ ولا أيضاً الفكر الإيدولوجي الذي ينتمي إليه الفاعل¡ وبالتالي الفعل والفاعل في مهمة إشهار للأفكار¡ والمعتقدات¡ من خلال سيميائية إيحائية لرؤية المشهد من جوانب متعددة¡ وشاملة¡ وتفسير العلاقة الارتباطية بين مكوناته¡ وأهدافه¡ وصولاً إلى قراءة الصورة وهي مثقلة بما فيها من معانٍ وحقائق ونتائج ذات تأثير عميق في اتجاه وسلوك المتلقي.
وسيميائية الصورة تعني في أبسط مفاهيمها العلامة أو الرمز أو الإشارة¡ حيث تتجاوز الفحوصات البصرية ما هو مشاهد إلى قراءة وتحليل ما هو مراد¡ وبالتالي كان الإسقاط الإيديولوجي من خلال الصورة متاحاً لتمرير أفكار ومعتقدات هي أكثر عمقاً من تلقائية المشهد.
لقد ترك تنظيم داعش الإرهابي مشاهد مروعة في ذاكرة الإنسانيةº فلم يكن القتل اعتيادياً في صورته¡ أو مألوفاً في طريقته¡ وإنما كان مشهداً مخيفاً¡ مثيراً¡ مأزوماً¡ حيث أرشفت الذاكرة صوراً لعدوانية ووحشية تنظيم داعش الإرهابي وهم يقتلون ضحاياهم الأبرياء حرقاً¡ ونحراً¡ ورمياً بالرصاص¡ ثم سحلاً في الشوارع¡ وأشهروا مع فعلهم ايدولوجيا أفكارهم ومرجعياتهم التي تغذي توجهاتهم ومواقفهم¡ وتبرّر أفعالهم¡ وتهيمن على عقولهم¡ وبالتالي لم تكن الصورة للقتل¡ وسلب حق الآخرين في العيش والحياة¡ ولكنها أيضاً تبعث برسائل ودلائل ورموز عن منهجهم¡ ومعتقدهم¡ وهي أخطر من القتل نفسهº حين يكون الإشهار وسيلة لكسب المزيد من المتعاطفين¡ وتجنيدهم¡ ووسيلة أخرى لرفع الشعارات¡ وتلوين الحقائق¡ والتمظهر أمام وسائل الإعلام بالقوة¡ والقدرة¡ وأسوأ من كل ذلك حين يتجاوز الإشهار في الفكر والسلوك ما يراه البعض فرصة للنيل من الإسلام¡ ومنهجه¡ ومحاولة تصنيفه¡ رغم الفارق الكبير بين الإسلام والمسلمين.
لم تكن صور القتل التي تناقلتها وسائل الإعلام عن تنظيم داعش الإرهابي إنتاجاً آلياً للواقع في مسافة زمنية للفعل¡ أو رسالة خالية من أي مدونة¡ أو وصفاً تعيينياً لما هو موجود¡ وإنما معالجة لما يتضمنه الحدث في مسافة موضوعية لردات فعله¡ وتحليلاً سيميولوجياً لما هو أخطر عما تريد الصورة التعبير عنه¡ وفهمه في سياق دلالي أكثر عمقاً في أفكاره المؤدلجة.
وعلى هذا الأساس تبدو العلاقة بين سيميائية الصورة الصحفية والإشهار الإيدولوجي لدى تنظيم داعش الإرهابي جديرة بالدراسة التحليلية¡ حيث لم تعد الصورة مجردة¡ أو محايدة¡ وإنما مؤثرة¡ وتحمل في أحشائها دلالات ورموزاً وعلامات تتطلب التوقف عندها¡ وكشفها¡ وتقريبها إلى واقعية المشهد¡ مع إشهار خلفياتها الفكرية التي تقتات عليها لاستهلاك الفعل¡ وتبريره¡ وإبرازه في مهمة الحضور على مسرح الإرهاب الكبير.




إضغط هنا لقراءة المزيد...