تأخذني الحيرة ويأخذني الذهول عندما أخلو بنفسي وأستعرض الوضع العربي.. تأخذني الحيرة ويأخذني الذهول ليس للحالة العربية المزرية والتي تسير نحو التهالك والتشتت والضياع وحسب.!! بل تأخذني تلك الحيرة والذهول أمام التفكير العربي¡ أو بالأصح أمام بعض من نصبوا أنفسهم كمفكرين ومثقفين عرب¡ فكثيرا ما أقرأ وأستنتج مواقفهم مما يحدث ومما يدور¡ وأسأل نفسي هل هؤلاء يعيشون تحت سلطة غيبوبة فكرية..¿ أم تحت سلطان سحري قهري يجتذبهم نحو الوقوف مع المتسلط¡ القاتل¡ والشرير¡ أم أنهم يصابون بعمى البصيرة فيتخبطون ويتعثرون كما يتعثر الأعمى في طريقه بلا قائد أو دليل¡ إنه شيء يدعو حقا إلى الحيرة والذهول لأنه بكل بساطة الفطرة البشرية مخالف لقانونها وتشريعاتها البديهية¡ وهذا مكمن العجب¡ والاندهاش¡ خاصة لأولئك الذين نصبوا أنفسهم كمفكرين ينشرون الحق والعدل¡ والرحمة... ومن ثم فإنه من البداهة أن نقول إن هناك خللا ما وشذوذا ما.. فمن تتحرك في شرايينه دماء الإنسانية¡ لا بد أن تأخذه الفطرة السوية نحو الرحمة والعدل والإشفاق على الدم الإنساني والغضب لامتهانه وإراقته بعبثية وحقد وإلا فهو بذا خارج عن مفهوم الفكر النزيه والنظيف¡ وهذا ما يميزه عن قاطع الطريق¡ وعن لصوص المنازل ومرتكبي جرائم الخطف والابتزاز¡ الذين يقضون معظم أعمارهم ما بين المخافر والسجون... ومن ثم فإنه يمكن القول بأن أولئك الشاذين يعانون من خلل نفسي يجعلهم خارج إرادة أنفسهم فينساقون بفعل جاذبية العدو والمتسلط فهم واقعون تحت هيمنته بشكل قهري وذلك ما يعرف في علم النفس بـ (المازوخيا) حيث يعجب المجلود بجلاده والضحيةُ بالمضحي بها¡ وهذه حالة تنتاب الضعفاء من بني البشر كما تنتاب الضعيف أيضاً من الحيوان¡ فالحمار أعزكم الله إذا رأى الأسد يقف في مكانه وربما تقدم إليه ليأكله من شدة الذعر.
وهو ما عناه الشاعر أبو تمام بقوله:
قد يُقدمُ العيرُ من ذعرٍ على الأسد
بل هناك ما هو أشد فالذئب إذا عثا في القطيع وشبع فإنه يعضّ أحسن الخراف عضاً خفيفاً فيتبعه إلى جحره وهذا شيء معروف عند أهل البادية.
إنها هيمنة القوة القسرية الجاذبة... وعالم اليوم هو عالم القوة¡ إذ لا توجد أخلاق ولا توجد قوانين دولية حقيقية تحمي الضعفاء والمغلوبين إنها الفلسفة "النتشية الغربية" فلا محبة ولا رحمة¡ فالرحمة للأقوياء فقط.
وما نسمعه عن حقوق الإنسان¡ وجمعيات الرفق به ما هي إلا رسومات جذابة على حائط الموت¡ وشكل من أشكال تزيين وجه القوة المتسلط القبيح.. فمن السذاجة أن نؤمن بالقوانين الدولية وبقرارات هيئة الأمم المتحدة¡ أو مجلس الأمن فهذه كلها ملفات أرشيفية معطلة ولا قيمة لها... إذ إن مصير الكون في حربه وسلمه تهيمن عليه خمس دول لكل منها الحق في تعطيل أي قرار أممي وذلك بما يسمى حق (الفيتو).. وهناك مئات القرارات الدولية العدلية أسقطت بهذا الفيتو ولعل أكثرها ما كان يتعلق بإدانة إسرائيل ضد جرائمها الإنسانية في قتل الفلسطينيين وتشريدهم ومن ثم فإن كل الذرائع والحجج التي يتشبث بها بعض المتشدقين بحقوق الإنسان وعدالة الغرب الإنسانية ما هي إلا هراء ومهازل عقلية وفكرية تجعل المرء حائرا ومبهوتاً إزاء مواقفهم البعيدة كل البعد عن الرشد والعدل والتراحم الإنساني.




إضغط هنا لقراءة المزيد...