احتفلت منظمة اليونسكو بمئوية ولادة فريد الأطرش¡ فأصدر الصحافي أحمد بوبس كتاباً عنها "فريد الأطرش: عبقرية موسيقية خالدة" ضمن سلسلة "مسارات فنية". واعتمد المؤلف على مصدرين الأول منير الأطرش¡ الأخ غير الشقيق لفريد¡ وأفلام الأطرش السينمائية. فهل هذان المصدران كافيان¿. ماذا عن المواد الإعلامية المكتوبة والمرئية والمسموعة¿ كيف يتجاهل أيضاً المقالات النقدية والأطروحات الأكاديمية¿. إنه لأمر غريب. إن تأليف هذا النوع من الكتب العربية محفوف إما بهذا الاستخفاف وإما بالاستثقال.
يحق الاعتراف للمؤلف بأن هذا الكتاب يخالف أهداف كتب أخرى صدرت سابقاً¡ بعضها في حياة الأطرش نفسه¡ وبعضها الآخر بعد مماته¡ وتتنوع بين رصد سيرته الفنية¡ أو جمع نصوص أغانيه¡ أو سيرته الشخصية لكن لا مبرر أن يتجاهل مصادر أساسية في سيرته الفنية مؤرشفة في الصحافة والإذاعة والتلفزيون. إذ من الأولى الإنصات إلى ما يقوله الأطرش نفسه عن سيرته¡ وصناعته الألحان¡ وعلاقته بآلة العود¡ وإسهامه في السينما¡ ورفده الحناجر بألحانه¡ وموقفه من الغناء العربي¡ وآرائه حول قضايا تناولها في أعمالها¡ ومجايليه من صناع الأغنية العربية¡ وموقعه من موسيقى العالم.
ففي الفصل الخامس يرصد علاقة الأطرش والموسيقى الغربية¡ وكان أولى أن يقول الموسيقى الأوروبية¡ ويستخدم لغة غير علمية¡ أولاً¡ حين لا يحدد مفهومي الانتحال والاقتباس بمعيار عدد الموازين المنصوص عليها¡ وثانياً¡ يغفل مبررات التوظيف الفني للمسموعات المتنوعة في السياق الدرامي¡ وثالثاً¡ التعامل مع المادة الموسيقية المصدر بوصفها خاماً ليس مبنياً على مسموعات من أخرى!.
حين يورد الكلام عن المقدمة الموسيقية لفيلم "لحن الخلود" التي تعد التمهيد الموسيقي لأغنية "بنادي عليك" في الفيلم نفسه¡ يذكر عبارات مضللة. وفي أوبريت "فارس الأحلام" بفيلم "لحن حبي" يصف بقوله "استخدم فريد في تلحينها ملامح من السمفوينة الرابعة لتشايكوفسكي"¡ وفي أغنية "حكاية غرامي" بفيلم "من أجل حبي" يقول "أخذ مقطوعة "أستورياس" للموسيقي الإسباني إسحاق ألبينيز واستخدمها في المقدمة الموسيقية والفواصل لهذه الأغنية" "ص: 73".
ويفند هذا الكلام ببساطة بوضع مجموعة من الحقائق المغفلة¡ الأولى¡ أن الأشكال الاستعراضية وليدة "مسرح المنوعات" الذي يوظف المسموع والمنقول مع المؤلف والموجود ومثاله فيلم "ملكة المسارح" لبديعة مصابني¡ والثانية¡ الاشتباه في أداء بعض الانفعالات والمشاعر بآلات تمزج بين المؤثر الصوتي واللحن الموسيقي لا تبرر الادعاء بالاقتباس أو الأخذ¡ والثالثة¡ توظيف العناصر الثقافية "الأدبية والفنية" في الإنتاج الثقافي مبررة بأسباب عدة منها التعميق من المعنى والإغراب في الأثر والإيهام بالتماثل.
تستحق رموزنا الثقافية¡ فوق الاعتراف والإنصاف¡ قول الحقيقة من مصادرها!.




إضغط هنا لقراءة المزيد...