بصدور أغنية "كل الكلام" للسيدة نجاة الصغيرة¡ كلمات: عبدالرحمن الأبنودي وألحان الموسيقار طلال¡ يمكن أن نسجل بعض المعلومات الأساسية¡ الأولى بأنها توثق لمرور أربعة وسبعين عاماً من تجربتها¡ أطلقت أولاها "غني يا كروان" 1942¡ والثانية بأن تعاونها مع الأغنية في الخليج العربي بدأت باثنتين "فين يا محبوبي فين" و"يللي في هواك هيمان" 1956 لمحمد طلعت وطارق عبدالحكيم¡ والثالثة بأن مسيرتها غزيرة في تسجيلات الإذاعة والإسطوانات والسينما فلم تثبت شخصيتها الغنائية إلا مع محمد عبدالوهاب منذ 1960¡ وتميزت مع بليغ حمدي -أبرزها "وحياة اللي فات" و"أنا باستناك" و"الطير المسافر"¡ ومحمد الموجي واستمرت مراحلها بخط ثابت.
فقد حاولت أن تضع نفسها في ثوب سواها¡ ففي الوقت التي كانت غارقة في مدرسة الغناء التقليدي سحبها ملحنون إلى مدرسة الغناء الحداثي بصعوبة¡ فهي تماوجت موضوعاتها الغنائية تحت محور "المنكسرة"¡ أو ما نطلق عليه "شاعرية الانكسار"¡ وفروعها "الخاضعة" و"المقهورة"¡ و"الصابرة" متساوية مع مجايلتها السيدة فايزة أحمد. وعلى عكسهما¡ السيدتان فيروز وردة¡ حيث تمظهرت في تجربتيهما "الأنفة الأنثوية".
وتكشف مسيرة نجاة بأنها في عز ظهور تجربة جيل السبعينيات¡ التي جاءت بمن جاءت من مواهب شعرية ولحنية وصوتية¡ تمظهرت فيها أنماط وموضوعات متمردة¡ إلا أنها لم تتجاوب معها إلا بصورة حذرة وهذا واضح في أعمالها مع هاني شنودة ثم سامي الحفناوي¡ ما جعل الآخرين يستوعبون الدرس المناسب لنجاة بتلوين مساحتها الشعورية¡ وليس بالانطلاق إلى مساحات جديدة على العكس ما حدث لفيروز مع زياد الرحباني ووردة مع صلاح الشرنوبي.
وقد تناهت نجاة مسيرتها بشدوها لقصيدة "لا تنتقد خجلي" للشاعرة سعاد الصباح وكمال الطويل¡ وتوقفها من بعد حفل قرطاج 2001 الذي استعادت فيه من بين ما استعادت أغنيتها "عيون القلب" 1983 من شعر عبدالرحمن الأبنودي وألحان محمد الموجي.
يعود الآن بها إلى زمن الغناء بعمل في منطقتها وصناعته الخاصة الملحن السعودي الكبير طلال. وفي هذا العمل بعد تجربته في تلحين نصوص غنائية من المدرسة المصرية¡ ظهرت أولاها أغنية "سامحني حبيبي" من شعر حسين السيد¡ وأدياها كل من آمال ماهر وعبادي الجوهر¡ يضع "طلال" ألحانه على شعر عبدالرحمن الأبنودي ليعد الأغنية التي عادت بنجاة إلينا. وبنى الملحن اللحن على فكرتين متضادتين¡ الحيرة والحلم¡ فقد طفت الأولى منذ مذهب الأغنية:
"كل الكلام قلناه وادينا زي ما احنا / لا يوم جميل عشناه ولا طبيب لجراحنا".
وأما الثانية: "منين بتجيب كلامك كلام جميل بيعجب/ خلاني أقول لجرحي: يا جرحي ليه بتكذب"
تبقى نجاة تلك النسمة العابرة في ظل أعاصير نتخيلها وإن ظلت طريقها إلينا.




إضغط هنا لقراءة المزيد...