كانت التعددية ومازالت وستظل حتى يرث الله الأرض ومن عليها.. السمة الأبرز في هذا الخلق العظيم.. حجراً وشجراً وبشراً.. وهي سمة لا تطال الأنواع وإنما غاية التفاصيل.. إنها الميول والاهتمامات والرغبات ونزعة القبول والرفض..
بناء الشخصية الإنسانية¡ التي تضيف إلى واقعها لبنة في طريق الحياة.. قد تتجاهل أهم شروط ذلك البناء.. بل وتتجاوزه بلا قصد في كثير من الأحيان إلى حالة تنميط وتأطير.. وكأنها لا ترى في الحياة سوى نسخ متشابهة.. وعلى طريقة إما أن تكون أو لا تكون!! وكل ذلك داخل إطار تتماثل حدوده وأبعاده وغاياته ومقاصده.
يحتار البعض في أبنائه وهو يرى تباينا واختلافا.. وبديلا من محاولة فهم طبيعة هذا الاختلاف.. فهو يعود ليحاول أن يؤطر الجميع في قالب واحد وربما يسوق لهم أهدافا واحدة ومعاني واحدة.. حتى إذا كبروا حصد من بعضهم ما يرضي بعض غروره الأبوي¡ ولكنه أيضا قد يرى حجم التشوه الذي طال أبناء آخرين.. فلا هم الذين ناسبهم الإطار الذي صُنع لهم وإن حشروا أنفسهم فيه حشرا.. أو ربما حطموا الإطار وأخذتهم رحلة تيه قد تطول.
وكذلك هي المجتمعات.. إنها الصورة المكبرة لملامح الأسرة¡ الأبوية انتقلت بشكل أو بآخر إلى يد معلم أو مدير عمل أو قائد.. والإخضاع في إطار مجتمعي/ ذهني محدد الأبعاد والملامح عنوان لافت وراسخ.. مما صنع حالات من التشوه أو النفاق أو الانفلات أو الذبول.
كانت التعددية ومازالت وستظل حتى يرث الله الأرض ومن عليها.. السمة الأبرز في هذا الخلق العظيم.. حجرا وشجرا وبشرا.. وهي سمة لا تطال الأنواع وإنما غاية التفاصيل.. إنها الميول والاهتمامات والرغبات ونزعة القبول والرفض.
المجتمعات التي أدركت حتمية هذه التعددية¡ وميزاتها وحيويتها.. تحصد اليوم إبداعات شتى ومميزات كثيرة.. وهي تدرك أنها تضيف كل يوم إلى واقعها ارتقاء جديدا يتحول إلى منتج إبداع وأنماط متجددة ومتعددة تعطي الحياة مزيدا من الحيوية والنشاط.. بينما بقيت المجتمعات الخائفة والمذعورة والحارسة لأنماط من الحياة والرؤى تعيش متوجسة قلقة ترى كل نمط مختلف عن سياق ثقافتها.. إنما بداية الانهيار.. وقد تعمل على وأد ملكات جديدة لأنها لا تراها سوى أمر حادث غريب ونسق شاذ.
من المؤكد أن المجتمعات تختلف في تقويهما لتلك التعدديات¡ ومن المؤكد أن المقصود هنا ليس ذلك الشأن المتعلق بالقيم الكبرى الحاكمة للحياة وشروطها الأساسية¡ إنما هناك طيف واسع يمكن أن يكون للتعددية فيه مجال للتجديد والبناء وارتقاء مثل جديدة ووعي متجدد وتنوع مثر.. وكل نفور منها يعزز النسخ المتشابهة.. ولكنه لا يغذي الإبداع والتطوير.
يولد البشر بقابليات متنوعة¡ واستعدادات مختلفة.. وتلك هي جزء من الفطرة التي فطر الله الناس عليها.. تأطيرهم وقبولهم هو ما يأتي لاحقا.. سواء حيال المفاهيم الكبرى للحياة أو ما يتعلق بالإطار التعليمي -أيا كان مستواه- ومنذ عصر القبيلة إلى عصر التعليم النظامي المبرمج.
يكمن الخلل في القولبة والتنميط في نسق الأفكار والتوجهات.. والمواهب والاستعدادات.. دون محاولة اكتشاف مبكر لطاقات قادمة قد تكون منارات في طريق الحياة.. ولذا لا يستغرب في هذه الأجواء أن يلد الناس آباءهم كما يقول "عبدالله القصيمي".. إنهم لا يلدون أجيالا جديدة عليها أن تأخذ في الاعتبار توجيه الطاقات لبناء حياة متجددة تقاوم التآكل والانحسار.. بل يلزمون قسرا العقول الغضة على الانكماش في دائرة المتعارف عليه والسائد.. حتى لو كان السائد ذبولا وانكفاء على مفاهيم لا تصنع الحياة قد ما تئد مقوماتها الحقيقية من عقل وإرادة.. فالحياة نهر من الأفكار جار لا يعرف التوقف أو الانحسار.
يلاحظ قلة من الناس في بعض أطفالهم ميولا مختلفا¡ يطرحون تساؤلات لافتة¡ أو ينكمشون في زوايا لا تغري الكثيرين منهم.. وهنا كان يجب أن تتاح الفرصة لاكتشاف جنين يولد باستعدادات مختلفة.. يتطلب ربما تعليما مختلفا واهتماما خاصا.. لكنه ضمن ثقافة النسق يتدرج في ملامح تعليم لا يرى سوى المتشابهات¡ وقد يكون أولئك أكثر الأبناء تواضعا في التحصيل أو تحقيقا للدرجات المدرسية الأعلى.. ثمرة تعليم التلقين المتعاظم الذي يأخذ الطفل من عالم الفطرة المكشوف على التساؤلات والتحديق مهما كان ضئيلا.. إلى حقل المقارنة بالنسخ المتشابهة التي تتصدر يوميا قوائم المدارس والمعاهد والجامعات.. ثم يأتي دور الثقافة الجمعية في انحسار تلك المواهب التي لم ترَ النور بعد.. لنرى على مدى الأفق ظلال أجيال مرت من هنا.. لا أثر لها سوى أنها انطوت على ذاكرة الأجيال السابقة ومفاهيم تضطرب بين الحين والآخر. أما أثر المبدعين فهو مسار لم تعبد طريقه بعد.




إضغط هنا لقراءة المزيد...