السيرة الذاتية هي حديث الشخص عن نفسه¡ في كتاب يضم أشتاتاً متفرقاتٍ من حياته¡ بعضها ربَّما من مذكِّراته¡ أو من ذاكرته¡ ومن ثم يجعل له هيكلاً تنظيمياً أقرب إلى تسلسل الأحداث فيما يشبه رواية أو حكاية عن النفس¡ يُظهر مايريد ويُخفي البعض¡ أو يتجاهله¡ وربما ابتلعه النسيان¡ فليست كل سيرة ذاتية مما هو منشور كاملة بالتمام مهما كان كاتبها¡ ويموت الإنسان وفي نفسه أشياء لا يعرفها إلا هو.
بعد وفاة الشاعر خليل حاوي¡ أو انتحاره على الوجه الصحيح¡ حيث أفرغ رصاصة في رأسه¡ والسبب الذي ظهر هو قهره من اجتياح جنوب لبنان من قبل القوات الإسرائيلية¡ وعدم قبوله الذل والهوان للوطن الذي نبت فيه وشب¡ وازدهر وأدركته الكهولة وهو يعيش فيه بكل اعتزاز¡ ويعول إليه بعد الترحال والتطواف للكسب المعرفي والمعيشي¡ ثم يعود إلى نقطة الارتكاز¡ ولكن لمَّا رأى الخروقات والعدوان المتعدد¡ وما شاهده من الدمار¡ من فعل المعتدي ومن كان يسانده من المستأجرين والمرتزقة¡ بادر أن تكون نهايته بيده لا بيد عدوِّه.
أخوه ايليا حاوي¡ كتب عن خليل الأخ وكيف كانت حياته¡ في العمل والدراسة¡ والشعر والفلسفة¡ وهو يسرد سيرة حياة أخيه كان يتحدث عن نفسه كأخ لصيق وتحت سقف واحد¡ فكانت سيرة حياة إيليا إلى جانب حياة خليل تشكل حياة واحدة تتقاطع مع الفوارق المزاجية¡ والاهتمامات الثقافية¡ فلكل منهما طريقه¡ وطريقته الخاصة في التعامل مع الحياة والناس¡ والمعرفة وتنوع المشارب¡ فخليل فيلسوف وشاعر¡ وأيليا أديب وناقد وصاحب دراسات عن الأدب القديم والحديث¡ ولكن التراث كان شاغله¡ وخاصة الشعر العربي القديم¡ فكتب عن الشاعر الحطيئة¡ وعن الأخطل¡ وأبي تمام¡ والنابغة الذبياني وعن شعراء من مختلف العصور من الجاهلي إلى العباسي¡ وناش البعض من الحديث¡ ومنهم عمر ابو ريشة¡ ونزار قباني¡ والشاعر القروي¡ وفي كتابته عن أخيه مايؤكد إلمامه بالتراث والحديث¡ وهو في السيرة لم يكن دارساً لشعر خليل بقدر ماكان يتحدث عن حياته¡ ومن سياقه السَّردي كان يصف الحالات التي مر بها وكيف كان خليل/ إيليا يتعامل كل منهما مع الحدث الواحد بما يتلاءم مع شخصيته ومايتناسب مع قدراته¡ فخليل يرسم بالكلمات الشاعرة المتعمقة في النفس جانحاً إلى النبش في الأساطير والفلسفة وتأطير ما يسحبه من الماضي بزخرفة حديثة¡ وفي ديوانه (نهر الرَّماد) مايدل على ذلك¡ حتى أن الشاعر العربي المصري الشهير صلاح عبدالصبور قال عنه: "استخدمنا رمز السندباد نحن شعراء مصر والعراق¡ ولكن جاء خليل حاوي وتجاوزنا فناً وأداءً لهذا الرمز خاصة في قصيدته (رحلة السندباد الثامنة) التي كانت متكاملة من جميع النواحي"
إيليا كتب عن نفسه عبر حديثه عن خليل¡ فكانت سيرة مزدوجة متلاحمة بتلاحم الأخوين¡ فَعرف المتلقي عن إيليا ماكان يجهله¡ وذلك لأن خليل تناوله الدارسون من الناقدين الذين كتبوا عن شعره وخصوصاً ديوانيه (نهر الرماد) و (النَّاي والريح) وبعد ذلك ديوانه (بيادر الجوع) ومن الدارسين من تناول شيئا من سيرته¡ وخاصة أثناء دراسته العليا في إنجلترا¡ ومنهم جبرا إبرهيم جبرا¡ وتوفيق صايغ¡ وهذان كانا ممن زاملهم وعاش معهم تلك الفترة¡ وغير ذلك ممن درسوا الشعر الحديث¡ أما إيليا فترك لاهتمامه في البحث والتنقير داخل التراث يغربله ويصفي منه في دراساته وتحقيقاته لدواوين شعرية عديدة.




إضغط هنا لقراءة المزيد...