في روايته عمال البحر نتعلم من فيكتور هيجو كيف تكتب الرواية. أو بعبارة أخرى كي نكتب رواية صادقة ورائعة ومقنعة علينا أن نقرأ الكثير من الروايات الصادقة والرائعة والمقنعة¡ وأحد أهم الذين يجب أن نقرأ لهم¡ فيكتور هيجو. لعل معظمنا لم يقرأ البؤساء¡ لكن أغلبنا يعرف القصة من السينما والتلفزيون والمسرح¡ فعدد المرات التي ترجمت فيها هذه الرواية إلى دراما ربما لا تحصى¡ وهي حتى عند صدورها في عام 1862 حازت شهرة عالية وأعلى مبيعات بلغة اليوم.
رواية عمال البحر ليست على ذات المستوى من الشهرة¡ لكنك حين تقرأها تدرك أنك تقرأ لكاتب عظيم. كاتب يعرف كيف يسبر أغوار النفس البشرية¡ كيف يصف بدقة شديدة تاريخ الشخصية ولماذا تتصرف على هذا النحو.
كان هيجو شاعرا وروائيا¡ وبينما عرف في العالم برواياته لكنه في بلده فرنسا عرف أكثر كشاعر¡ أكاد أحسد الفرنسيين على معرفتهم باللغة الفرنسية التي تمكنهم من الاستمتاع بالشعر العظيم الذي كتبه.
أشد ما أذهلني في رواية عمال البحر بالإضافة إلى طريقة رسم الشخصية هي الدقة غير المتناهية التي وصف بها كيف قام بطل الرواية جيليات بفك ماكينة المركب البخاري وإنقاذها سليمة كي يعيدها إلى صاحبها. وصف قد يبدو للبعض مملا وأخذ الكثير من الصفحات¡ لكن إذا تأملت فيه تدهشك مدى معرفة الكاتب عما يتحدث فيه. كأنه درس الميكانيكا¡ بالإضافة إلى علوم البحار. براعة متناهية¡ تعطيك فكرة عن مقدار البحث والدراسة التي قام بها الكاتب كي يكتب هذه الرواية.
هذا ما يحيلني مرة أخرى للحديث عن كيف تكتب رواية مقنعة¡ لا يجب أن تتساهل¡ أو تأخذ طريقا مختصرة¡ لا يمكنك أن تعتمد على معرفتك السطحية في أمر من الأمور¡ عندما تتحدث عن أمر ما في روايتك¡ يجب أن تكون عارفا عما تتحدث¡ لا تأخذ الأمور ببساطة¡ كن بسيطا في كتابتك كما تشاء¡ لكن لا تكن بسيطا في معرفتك. لا تكن كاتبا مهملا. لأن الفرق ينكشف سريعا للناس.
على قدر ما تعطي من جهد في الكتابة على قدر ما تحصل من تقدير من الناس وبدءا من ذاتك. الاستغراق في البحث يعلمك المثابرة¡ يمنحك الذهن المتوقد¡ العمل المتقن يضيء دواخلك ويجعلك لا تقبل سوى الجيد من نفسك. وهذا هو الطريق للمجد.
يتحدث هيجو في روايته في أمور كثيرة¡ أمورا متعلقة بالدين¡ بالعلم¡ بالفلسفة¡ بالبحر¡ بالنفس البشرية. كل ذلك في قالب روائي مشوق. وكل ذلك بدون تكلف وبدون فذلكة.
كم هو الأدب عظيم¡ كم أشعر بأني محظوظة وممتنة لوجوده¡ كلما قرأت كتابا عظيما كرواية عمال البحر.




إضغط هنا لقراءة المزيد...