السينما تقدم أكثر أشكال الحياة سذاجة وبساطة.. المخلوقات الفضائية في الأفلام الخيالية تملك (مثلنا) قدمين وعينين ولسانا وشفتين.. تتمتع بملامح بشرية (ليس لأنها كذلك) بل كي نستوعب نحن مشاعرها وطريقة تفاعلها مع أحداث الفيلم.. كيف نعرف مثلا أنها غاضبة أو ساخطة دون «ملامح بشرية» قاسية.. كيف ستتحرك دون قدمين قويتين.. كيف ستتمكن من إيذاء بطل الفيلم دون يدين ومخلبين حادين.
مشكلة هوليود أن لا أحد يعرف فعلا ملامح المخلوقات على الكواكب الأخرى (وتتعاظم المشكلة بسبب عجزنا نحن عن تخيل أي مخلوقات لا تتمتع بهيئة بشرية مثلنا).. عجزنا عن التخيل يتضح من وجود نصوص شرعية تستعير المواصفات البشرية لتقريب المعنى للسامع - مثل قوله تعالى (يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) والحديث الصحيح (القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن).
ومجرد عجزنا عن تخيل (ما يتجاوز ملامحنا البشرية) يجعلنا نفكر بطريقة مختلفة في الشكل المتوقع لسكان الكون.. يجعلنا أكثر جرأة في الخروج عن القوالب البشرية وافتراض عدم امتلاكها لأي شكل لها أصلا.. فقد تكون مثل الجان تعيش في بعد فيزيائي مختلف بحيث لا نراها حتى لو وقفت أمامنا.. وقد تكون مخلوقات غير مادية تتحرك كطاقة ذكية بحيث تدخل وتخرج من أجسادنا كالأشعة السينية.. وقد تكون حياة مجهرية ذكية لا نشعر بوجودها¡ أو بالغة الضخامة بحيث لا نميز نهاياتها.. وقد تكون ببساطة مثل مخلوقات أرضية كثيرة لا تملك ملامح بشرية أو هيئة بنيوية (كالإسفنج وهلام البحر).
والحقيقة هي أن علماء الفلك (بعكس مخرجي هوليوود) لا يبحثون عن مخلوقات ذكية بملامح بشرية¡ بل عن أبسط أشكال الحياة البدائية المتوفرة.. سيكونون أسعد الناس لو التقوا بكائنات فضائية كاملة الخلقة¡ ولكن حتى تهبط مركبتهم بيننا يكتفون حاليا بالبحث عن النيازك التي تهبط من الفضاء وتتضمن بقايا مجهرية حية.. سبق أن كتبت فعلا عن اكتشاف بقايا ميكروبية على نيزك انفصل عن المريخ وسقط على الأرض قبل 13 ألف عام.. واليوم أصبح مؤكدا أن كوكب المريخ كان عامراً بالحياة قبل أن تتبخر مياهه ويتطاير غلافه الجوي في الكون.. عرفنا ذلك ليس فقط من خلال تصوير مجاري السيول والبحيرات الجافة¡ بل ومن خلال دراسة نيازك المريخ التي سقطت على الأرض وتضمنت بقايا عضوية حية (وهذا الاكتشاف لوحده رفع احتمال وجود الكواكب الحية ببلايين المرات)!!
بقي أن أشير إلى ضرورة التفريق بين وجود حياة غيرنا في الكون¡ ووجود كائنات ذكية مثلنا في الكون.
فاحتمال وجود حياة غيرنا في الكون أصبح حقيقيا ومؤكدا ولا يشك فيه معظم العلماء (ويمكن إثباته بأبسط أشكال الحياة كما حدث مع المريخ).
أما مسألة وجود كائنات ذكية مثلنا في الكون فمسألة يصعب تأكيدها حتى على كوكب الأرض ذاته (رغم تشكله قبل أربعة بلايين عام¡ وظهور ملايين المخلوقات فوقه).
.. الإنسان¿
مجرد ضيف هبط متأخرا من السماء¡ ولا يتجاوز عمره فوق الأرض 40 ألف عام.. كما سنعرف في مقال الغد!




إضغط هنا لقراءة المزيد...