نجحت إسعاد يونس في برنامج "صاحبة السعادة" نابشة في صناديق الثقافة المصرية السرية فترة الربع الأخير من القرن العشرين. إذ يوازي الربع الأخير الأول من ذات القرن في التحول الثقافي في مجال صناعة الأغنية المتسربة من الصالات والمقاهي¡ والإذاعة والتلفزيون¡ والاسطوانة والكاسيت¡ والمسرح والسينما..
ففي حلقة الموزيكاتية المجزأة 13-14 فبراير¡ وسبقتها حلقات عن العازفين والفرق الغنائية مثل الجيتس**والشخصيات الفاعلة مثل عمر خيرت وحميد الشاعري وفصيل من المنتجين الكبار أمثال عاطف منتصر ومحسن جابر¡ دفعت إلى الواجهة بعناصر المختبر الغنائي¡ وهم الملحنون المتوارون خلف حناجر وإعلام بعضهم زاهد فيه وبعضهم الآخر يعرف من اسمه دون صورته¡ حيث التقت بهم¡ ولم تكن أسماؤهم عابرة¡ مثل صالح أبو الدهب**ووجيه عزيز وحسن دنيا ومدحت الخولي وخليل مصطفى وحمدي صديق وحسن اش اش وعصام كاريكا الذين صنعوا مجد حناجر محمد منير وعمرو دياب ومدحت صالح وحنان وانوشكا وسيمون ومصطفى قمر وإيهاب توفيق وهشام عباس وحمدي بتشان وحكيم ومحمد محيي كما أنهم أركزوا في الذاكرة عبر أغنيات واستعراضات مجموعة من المسرحيات والأفلام¡ ذات الفترة الزمنية أيضاً¡ لسمير غانم وسيد زيان ومحمد هنيدي وأحمد آدم ومحمد سعد.
يلفت في ذلك أن القاهرة مجمع تعددي لثقافات مختلفة¡ مرجعيتها بيئات محلية جغرافياً¡ من الوجه القبلي والبحري ومن الجنوب ومن الغرب. كأنما استنفدت القاهرة تعددها الثقافي مطلع القرن العشرين من مكونات عربية "شامية ومغربية وحجازية"¡ وعرقية "يونانية وإيطالية وتركية وأرمنية"¡ وطوائف "يهودية ومسيحية" لتعود إلى قواها الاحتياطية من الداخل سواء من مدن الساحل المتوسطي "الإسكندرية" ومن القناة "بورسعيد" ومن الجنوب "أسوان" ومن الصعيد وسواها.
ويكشف التباين بين المرجعيات والمصادر في ناتج الحقل الثقافي في المختبر الغنائي الذي تبدلت عناصره الوافدة والمتوطنة من خارجه إلى عناصر نازحة ومهاجرة من الأقاليم نحو العاصمة.
سعت الأغنية¡ معقمة من الأيديولوجيا وصراخها والتأميم واختناقه¡ في الربع الأول أن تكون صورة للحلم المتوسطي¡ في نموذجي ليلى مراد وفريد الأطرش مثالاً لا حصراً بينما آذنت وجودها في الربع الأخير عبر صورة الكادحين والمغتربين¡ بسقوط الأيديولوجيا وتوحش رأس المال¡ في نموذجي أحمد عدوية ومحمد منير مثالاً لا حصراً.
مهما علت نماذج لا تلغي سواها وإنما تقدمها وتؤخرها لغة الأرقام والكراسي. ولا ندرك التحول الاجتماعي والاقتصادي والسياسي سوى في المنتج الثقافي غير أن الأساسي والفرعي¡ درجات في النوع¡ كما أنها اختلافات تضيق بنفسها في الذائقة والذاكرة.




إضغط هنا لقراءة المزيد...