من تاريخ خيالنا والتلاعب بالأخبار الصحافية أن يعمد بعض المحررين إلى القول إن فلانا من الناس قد ترفّع إلى المرتبة الفلانية¡ وقد وعد زملاءه بوليمة دسمة. أو أن فلانا سافر إلى الخارج "بصحبة العائلة" وقد وعد زملاءه بهدايا نفيسة.
لو دققنا وجدنا أن هذا المحرر سرح بنا فلا وليمة ولا هدايا. كان ذاك في السابق¡ قبل رواج خطر الكوليسترول¡ والأحرى به أن يقول الآن: بوليمة قليلة الدسم. أما الهدايا فقد مضى زمانها فالمرء يقول لنفسه "عساها بحمْلها تثور" أي بالكاد يصرف على دفع فواتير الفنادق والمواصلات.
إن فكرة الخروج خارج الحدود حديثة العهد في بلادنا وهي عادة عندنا البعض رآها تستحق القروض¡ ولكن يبقى المال هو التحدي دائماً¡ وحاول بعضنا في السنين الأخيرة جعل الجوار الخليجي مسرحا ومقيلا كلما سنحت الفرصة. بعض المدن في الخليج العربي تشهد أعدادا كبيرة من السياح ونظراً لقرب المسافة بينها وبين المملكة.
ولا أرى وضوح الدقة في القول إن السعوديين يُسافرون بحثا عن المسارح ودور السينما والمقاهي الراقية والتسوّق بطمأنينة وحرية. فأهل السويد وهولندا وانجلترا يُسافرون وعندهم من المُتع الكثير. ووكالات السفر في الدول تلك وجدت قوائم انتظار طويلة¡ هذا طبعا قبل إمكانية حجز العطَل عبر الإنترنت. لكن مسألة "الهدايا" للأصدقاء والمحبين عادة ليست موجودة عندهم¡ ولا الولائم الدسمة عند الترفع الوظيفي.
أما الهدية من القادمين من سفر فتحضرني حكاية جدي رحمه الله. فكان مشهورا بقلة الحديث¡ وقلة السؤال¡ وربما قلة الجواب! وصادف أن حضر من إحدى سفراته وبين أمتعته حقيبة من حديد. تركها خارج مدخل مجلس الرجال (القهوة) وكانت النساء (ابنتاه) في ذلك الوقت قليلات السؤال عن أمر يخص رجل البيت. مرّت شهور ستة وجدّي لم يتحدث بشأن شنطة الحديد تلك. وجاء موسم الشتاء وأمطاره فاستأذنته! النسوة لإدخال تلك الشنطة في المجلس حينما تلبدت السماء بالغيوم. وكان جوابه: هه. هذا قماش... حقاقكم (هديتكم ) من البحرين.. ما أخذتوه إلى هالحين¿
حينما حكت لي عمتي (ابنته الكبرى) عن الموضوع قلت في نفسي: تلك أجمل هدية وأثمن ذكرى.




إضغط هنا لقراءة المزيد...